تستعد الحكومة لمرحلة ما بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان أغلب الظن أن تعيين نائبه الأول وسيم منصوري بحكم المحسوم لولا أنّ معلومات موثوقة كشفت أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طلب سيراً ذاتية لشخصيات معينة قد تكون مرشحة لخلافة سلامة، ما يشير إلى أنّ تعيين حاكم جديد ليس مستبعداً، وله مبرارته من وجهة نظر الحكومة. وأشارت مصادر حكومية إلى أنّ البحث جارٍ في اتجاهين حالياً: إما تسليم منصوري مهمات الحاكم أو تعيين البديل، وهو العنصر الذي دخل حديثاً على سكة البحث ومردّه إلى صعوبة انتخاب رئيس للجمهورية في المدى القصير. بعد المباحثات الرئاسية الأخيرة وجلسة الإنتخاب البرلمانية وبناء على المعطيات التي توافرت لدى ميقاتي، أعيد ملف تعيين حاكم جديد إلى واجهة البحث مجدداً وسيكون موضع تداول بين المعنيين بعد عطلة عيد الأضحى مباشرة.
أمّا الإتجاه الثاني فهو أن يتولى منصوري صلاحيات سلامة على أن يبقى الأخير خلف الكواليس لاعباً أساسياً أو بالأحرى «ملهماً» لنائبه الأول، وفق ما اقترح الثنائي الشيعي، لكن سلامة رفض الإقتراح بشدة.
وتعيد المصادر التأكيد أنّ الأمر لم يحسم بعد، إلا أنّه وضع على سكة البحث الجدي لتقييم إمكانية التعيين من عدمه، خاصة أنّ رئيس الحكومة يعتبر أن لا فترة محددة للفراغ الذي قد يستمر أشهراً طويلة ما يفرض تمرير هذا التعيين منعاً لتعطيل عمل المصرف المركزي.
لكنّ أياً من الإتجاهين يعني أنّ لبنان على موعد مع عاصفة سياسية تتعرض لها الحكومة من قبل معارضي أي تعيين في حكومة تصريف الأعمال أو القبول بمنطق رعاية سلامة لعمل منصوري وادارته من بعيد بحجة وجود قرارات صادرة عنه ويفترض أن يستمر بمتابعتها.
واستبعدت مصادر وزارية امكانية تمرير مبدأ التعيين في الحكومة الذي سيصطدم بمعارضة قوية، خاصة أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله سبق أن قال صراحة إنّ أمراً كهذا غير ممكن، ولذلك قبل الثنائي تسليم مهمات المدير العام للأمن العام إلى اللواء الياس البيسري، لكن ربما كان التعيين ضرورياً مع مخاوف منصوري من مهمة مستحيلة في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي تتطلب قرارات مفصلية قد لا يكون مجدياً أن يتخذها نائب الحاكم من الوجهة القانونية.
بعد عملية اقناع مضنية استغرقت طويلاً، قبل النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري بعد تردد تحمّل مسؤولية الحاكم وممارسة صلاحياته. الآتي من عالم القانون إلى الإقتصاد يتهيّب الموقف والمسؤولية الكبيرة في ظرف شديد الصعوبة. لكن وجوده ضمن فريق عمل متخصص بالإقتصاد من نواب الحاكم الآخرين، وتنطبق عليه شروط النقد والتسليف، يسهل عليه المهمة. علماً أن اثنين من المجلس المركزي هددا بالإستقالة تهرباً من المسؤولية القانونية، ناهيك عن خشية الثنائي من أن يتم تحميله مسؤولية تداعيات أي قرارات يتخذها عضو المجلس المركزي المحسوب عليه.
إرث ثقيل يقع على عاتق منصوري في بلد يختلط فيه العامل السياسي بالإقتصادي ويؤثر عليه. تأخير انتخاب رئيس للجمهورية يجعل البلد غارقاً في أزماته في ظل المعالجات الموضعية ناهيك عن غياب عامل الثقة بالمصارف، والذي يبقي المبالغ الضخمة التي تدخل إلى البلد خارج المصارف لغياب عامل الثقة. وليس معروفاً بعد ما اذا كان منصوري سيسير على خطى سلامة ويستمر في اصدار التعاميم ذاتها أم سيعمد إلى تعديلها.
المصادر عينها أكدت أنّه شخصياً يميل إلى وقف عمل صيرفة مع التعاميم التي سبق وأصدرها سلامة ما سيتسبب ببلبلة إقتصادية ومالية ناهيك عن صعوبة مهمته التي يصبو إليها وهي توحيد سعر صرف الدولار مقابل الليرة. مصادر مواكبة قالت إنّه سينفّذ خطة تتضمن اعادة النظر ببعض القرارات التي لا يمكن تحمل مسؤولية استمرارها لكونها مخالفة للقانون، وهو بصدد اتخاذ اجراءات جديدة واعداد خطة بديلة لا تزال موضع بحث وتشاور والموضوع لن يحل بين ليلة وضحاها. وأنّ زيارته واشنطن تندرج في اطار التمهيد للمهمات الجديدة ونيل ضمانات تساعده في ادائها.
وفي ما يتعلق بأموال المودعين وهو الشغل الشاغل للبنانيين منذ ثلاث سنوات، تتحدث المصادر عن برنامج عمل قد يتبلور طبقاً للظروف، متحدثة عن صرف مبلغ 3 مليارات دولار على سبيل مساعدات للبنان ستكون بمثابة خطوة على سكة بناء الثقة، وأنّ هناك دراسات أنجزت حول الوضع المصرفي والاقتصادي تظهر أنّ لبنان حقق بعض الخطوات المطلوبة من صندوق النقد.
مشكلة حقيقية في طريقها للظهور قريباً، لأنّ لا تعيين البديل من الحاكم ممكن، ولا تسلم نائبه الأول سيكون سهلاً على الثنائي. أمّا رابع المستحيلات فهو ما يطالب به «التيار الوطني الحر» وما يسعى إليه من تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان. ثلاثة اقتراحات حلول صعبة التحقيق، ما رجح كفة التمديد لسلامة مجدداً، وكان موضع تداول لكن تبين أنّه لا توجد أكثرية يمكن أن توافق على خطوة كهذه داخل مجلس الوزراء، بينما سيتم رفض الإقتراح في مجلس النواب.
يحظى منصوري بثقة الأميركيين ولا يمانعون في تسلمه وهو سبق والتقى قبل سفره إلى أميركا المستشارة الإقتصادية في السفارة الأميركية وتباحث معها مطولاً في الخطوات الواجب اتخاذها، وحمل من واشنطن اقتراحات يمكن البناء عليها، وهو على تماس دائم مع صندوق النقد والفرنسيين، لكن هذا كله لا يلغي أنّ انتهاء ولاية الحاكم الحالي تضع لبنان أمام مأزق كبير سياسي مالي وهو موضع نقاش واسع خلف كواليس الثنائي ومع رئاسة الحكومة بحثاً عن مخرج.