أكد رئيس “لجنة حماية حقوق المودعين” في نقابة المحامين في بيروت والخبير في الشؤون المالية والضرائبية المحامي كريم ضاهر أن “شركة “الفاريز أند مارسال” المكلفة بالتدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي أنهت عملها، وأن ما تسلمته وزارة المال ليس مسودة كما أعلنت، لأنه لا شيء اسمه مسودة عملا بأحكام العقد الثاني الموقع في ايلول 2021 بل هو التقرير الأولي بصيغته النهائية المتوافق عليه مع الشركة والذي يتضمن مجمل التوصيات والآراء والنتائج التي خلصت إليها الشركة ضمن مدة نفاذ العقد والمهمة، مع الإشارة إذا لزم إلى أن الشركة تبقى مستعدة لتزويد وزارة المالية بصفتها التمثيلية عن الدولة أية إيضاحات أو الجواب عن أية استفسارات من قبلها، وذلك ضمن مهلة أسبوعين من تاريخ تسليم التقرير مع ما يلازم ذلك من موجب لجهة إعادة النظر في التقرير وتضمينه التوضيحات المذكورة عند الاقتضاء”.
وفي سؤال عما ان تقدمت الوزارة بهكذا طلبات ضمن المهلة الملحوظة؟ يوضح ضاهر أن “أية طلبات أو توضيحات أخرى خارج هذا الإطار تحتم إبرام عقد جديد وتسليم تقرير نهائي بشروط جديدة وكلفة إضافية يتم التوافق عليها مسبقا”، مستخلصا أن “الوزارة لو أرادت وضع ملاحظاتها عليه لكانت فعلت ذلك ضمن المهلة الآنفة الذكر مع العلم أن تسليم التقرير جاء خارج المهلة القصوى المحددة في العقد أي 12 أسبوعا من تاريخ الدفعة الأولى من بدل أتعاب الشركة بنسبة 40% من قيمة العقد الإجمالية من قبل”.
وفي تصريح لـ”الأنباء” اليوم الاثنين شدد ضاهر على “أهمية ردود الأفعال والمواقف التي صدرت عن أكثر من جهة، والتي دعت الى الكشف عن مصير التدقيق الجنائي أمام الرأي العام اللبناني. ورأى أن المطلوب اليوم ممارسة أقصى درجات الضغط من قبل المجتمع المدني والنقابات والهيئات الأكثر تمثيلا، ومن نواب تغييريين ومستقلين كي لا تطوى صفحة التقرير الذي يفترض التدقيق الجنائي للحسابات لدى مصرف لبنان وأنشطته تمهيدا لوضع قراري مجلس الوزراء رقم 4 و17 الصادرين في أبريل ومايو سنة 2020 موضع التنفيذ والتدقيق في كل العقود التي أبرمتها الوزارات المختلفة والمؤسسات العامة لتحديد المسؤوليات في تبديد الأموال العامة”.
وتوقع ضاهر أن “يحصل تأخير مقصود في حال جرى الكشف عن مضمون التقرير لأسباب تتعلق بحاكمية مصرف لبنان وأجهزته المختلفة، أولا لأن التقرير سيبين سوء إدارة الحوكمة في المصرف الذي يتحمل مسؤوليتها المجلس المركزي بقيادة الحاكم رياض سلامة الذي لديه أوسع الصلاحيات عملا بقانون النقد والتسليف، وثانيا الخشية من أن تكشف أمام الملأ قبل نهاية ولايته، وهي سبب إضافي لإقالته من منصبه وفقا للمادة 19من قانون النقد والتسليف التي تنص على السماح استثنائيا بإقالته عند ارتكابه الأخطاء الفادحة في سياق ممارسة المهام”.
وأكّد ان “أولى الأهداف هو عدم التعرض للحاكم قبل انتهاء ولايته، ليس كرمى لعيونه ولا محبة به، إنما حتى لا يتم تقديم نوع من الاجتهاد وتكون سابقة أن أحدا في موقع القرار من سياسيين ونافذين يمكن أن يتم إقصائه من وظيفته أو محاسبته قبل انتهاء ولايته. وهذا أمر مرفوض إذ لا يجوز أن تتغير الثقافة السائدة والمكرسة منذ ثلاثة عقود في لبنان أي الإفلات من العقاب”.
ولفت الى أنه “من المرجح أن يتم الكشف عن تقرير التدقيق الجنائي عند انتهاء ولاية رياض سلامة وسيقال في حينه أن سلامة وغيره قد أساءوا إدارة المال العام، وأن حاكم المصرف ومن خلال الهندسات المالية التي قام بها قد رتبت أكلافا باهظة على خزينة الدولة”.
وسأل ضاهر ،”ما إذا كان سيتم ملاحقة رياض سلامة أكثر مما هو ملاحق جزائيا في موضوع اختلاس أموال وإثراء غير مشروع وتبييض أموال وتهرب ضريبي، لتضاف تهم على تهم وتنام في القضاء المريض والمتقاعس الذي فضح نفسه، ليس لأنه ضعيف بل لأنه أظهر نفسه كمتستر وشريك فيما يحصل”.
وأشار الى أن “وزير المال ومعه السلطة السياسية محشورون لأنهم لا يريدون بأي شكل من الأشكال الإفصاح عن التقرير حتى لا تتم محاسبة سلامة وسواه من المسؤولين المشتبهين، لأنه في هذه الحالة ستظهر خيوط أخرى تتصل بمضمون التقرير وتدين آخرين، على الرغم من أن وزير المال قال إنه لا توجد أسماء لزعماء سياسيين ومصرفيين، وقد لا يوجد كما قال، إنما هناك بالطبع أدلة وبراهين تشير الى الإساءة للمال العام”.
وتوقف ضاهر عند الأزمة المالية الصعبة والمتشعبة التي يعانيها لبنان، معتبرا أن “ما وصلنا اليه كان من المهم الذهاب باتجاه التدقيق الجنائي الذي عليه كشف التجاوزات والارتكابات من أية جهة كانت ومن دون استثناء أحد”،لافتا الى أنه “عندما جرى التوقيع المبدئي مع صندوق النقد قبل سنة، تسارعت وتيرة التدقيق الجنائي على الرغم من التأخير الذي حصل، وذلك لأسباب تتعلق بضرورة الإسراع في إقرار أربعة قوانين وتدابير موازية لها قبل الوصول الى الاتفاق النهائي مع الصندوق، وهي قانون الموازنة العامة، السرية المصرفية، إعادة هيكلة المصارف وقانون الكابيتال كونترول. وهناك تدابير أخرى ومنها توحيد سعر الصرف والتدقيق في حسابات 14 مصرفا، وانتهاء بالتدقيق بحسابات مصرف لبنان”.
وأشار الى أن “هناك تأخير مدته سنة ونصف السنة عن المدة التي كان يجب فيها تقديم التقرير الأولي عن نتائج التدقيق الجنائي ولا أحد من المسؤولين اعترض بجدية ومتابعة أو وجه اللوم للشركة المعنية بهذه العملية التي تشوبها الكثير خصوصا لناحية توقيع العقد مع الشركة التي أعطي لها المجال للتنصل من أية مسؤولية تجاهه. ومن شوائب العقد العديدة من جهة اقتصار المهمة على تقرير أولي، بينما الأعراف والأصول العقدية المتبعة في كافة الحالات المشابهة للتدقيق الجنائي تشير إلى أنه يتم عادة تحديد مرحلتين للتدقيق في العقد ينتج بنتيجتهما تقريران: أي تقرير مرحلي يبين مراحل تقدم الأعمال والمعوقات التي تواجهها الشركة. وتقرير نهائي يبين نتائج التحقيق بصورة واضحة وجلية لا لبس فيها وهما مشمولان بالأتعاب والمخصصات المتوافق عليها أصلا كما وسائر الأحكام الأخرى. كما يشير من جهة أخرى إلى تضمن العقد قيود على نطاق وإمكانية النشر والإفصاح عن التقرير وحصرها بحالات معينة مع اشتراط موافقة شركة “الفاريز أند مارسال” في بعض الأحيان. وهذا ما هو مخالف لروحية وأهداف التقرير، كما وللقوانين الحديثة المرعية الإجراء سيما لجهة نشر النتائج تطبيقا لمبدأ الشفافية ولقانون الحق في الوصول الى المعلومات رقم28 الصادر تاريخ 10/2/2017″.
وكشف ضاهر عن “ائتلاف يضم عدد من الجمعيات المعنية بالفساد سبق وتقدمت بكتاب الى وزير المال منذ أكثر من شهرين سألت فيه أين أصبح التدقيق الجنائي لكي يجري تسليمها نسخة عنه، وفقا للقانون الذي يرعى حق الوصول الى المعلومات، ولم يتعاون الوزير مع هذا المطلب، وعليه تقدم الائتلاف بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة بنتيجة عدم التجاوب أو الجواب كما يفرضه قانون حق الوصول الى المعلومات”.