مع اقتراب موعد إسدال الستارة على ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في نهاية تموز الجاري، يترقّب كثر المسار الذي سيتخذه موقع الحاكمية من جهة والوضع النقدي من جهة أخرى، في مرحلة ما بعد مغادرة سلامة.
ليس خافياً انّ سلامة طبع البنك المركزي والسياسة النقدية بطابعه الخاص خلال عقود من تولّيه المسؤولية التي تدرّج فيها «نزولاً» من مرتبة الحاكم الأفضل خلال أيام العزّ إلى متهم مطلوب للعدالة في الأشهر الأخيرة.
ومع وقوع الانهيار الكبير عام 2019، أدار سلامة الأزمة على طريقته، متبعاً لعبة «الطرابيش» التي يجيدها للهروب إلى الأمام، لكنها انتهت بأن أصبح ملاحقاً أمام القضاء في الداخل والخارج، فيما بدأ البعض يتساءل عن طبيعة اليوم التالي الذي سيعقب رحيله متأبطاً أسراره.
يؤكّد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي لـ«الجمهورية»، انّه ونظراً الى «حساسية موقع حاكم مصرف لبنان وأهميته، فقد كان من الأفضل في رأيي تعيين حاكم أصيل بعد نهاية ولاية رياض سلامة»، مشيراً الى انّ «اختيار الاسم البديل، يمكن أن يتمّ بالتشاور والتوافق بين جميع القوى الداخلية الأساسية، بمن فيها تلك غير الممثلة في الحكومة الحالية، بحيث يأتي الاسم محصّناً ومستظلاً بمظلّة واسعة، على أن يكون صاحب خبرة ولا غبار عليه».
– ولكن، هل يجوز لحكومة تصريف أعمال ان تعيّن حاكم مصرف لبنان وأن تفرضه مسبقاً على الرئيس المقبل؟
يلفت الشامي، إلى انّه وبمعزل عن الاجتهادات الدستورية المتباينة حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، فإنّ للضرورة أحكامها، والضرورات تبيح المحظورات احياناً، متسائلاً: «ماذا لو تأخّر انتخاب رئيس الجمهورية وقتاً إضافياً بعد؟ هل نبقى بلا حاكم أصيل للبنك المركزي في مرحلة لا تتحمّل اي شغور على مستوى إدارة الوضع النقدي؟».
ويضيف: «انا أطالب بتعيين حاكم جديد انطلاقاً من مقتضيات المصلحة العليا بالدرجة الأولى، وفي الأساس الدساتير والقوانين توضع لخدمة الناس وليس العكس، اما بالنسبة إلى دور رئيس الجمهورية في هذا المجال، فمن المعروف أنّ مجلس الوزراء مجتمعاً هو الذي يعيّن اصلاً الحاكم، واذا حصل توافق عريض عليه يشمل كذلك القوى الموجودة خارج الحكومة، يكون الاسم قد اكتسب حينها شبه إجماع وطني، ولا اظن انّ اي رئيس للجمهورية يمكن أن يرفضه في مثل هذه الحالة».
إنما وإزاء تعذّر تعيين حاكم جديد كما هو واضح لأسباب عدة، فإنّ الشامي يؤكّد انّ «لا بدّ عندها من أن يستلم النائب الأول للحاكم وسيم منصوري صلاحيات سلامة كاملة»، مشيراً إلى انّ هذا الاستلام «يجب أن يكون جدّياً وشاملاً، لأنّ الموقع لا يتحمّل وجود نصف حاكم، او حاكم لتصريف الأعمال الادارية، بل المطلوب من منصوري ان يصدر بالتعاون مع المجلس المركزي، كل القرارات والتعاميم الضرورية، وان يدير السياسة النقدية، لأنّ البلد لا يُترك بلا إدارة من هذا النوع».
ويتابع: «أعرف أنّ التحدّي كبير وصعب، وانّ اي شخص يتولّى حاكمية مصرف لبنان في هذا الظرف سيتهيّب الموقف وسيشعر بجسامة المسؤوليات الملقاة على كاهله، ولذلك عليه ان يكون من فئة الـ»كاميكاز». وانا أنصحه بأن يقفل هاتفه ولا يستمع سوى لضميره، وان يطبّق مبدأ استقلالية الحاكمية بعيدا من المؤثرات السياسية».
ويؤكّد الشامي أن ليست هناك أي نية بالتمديد لسلامة في موقعه، «وهذا الامر لم يُطرح في اي مرّة جدّياً. ولذا هو غير وارد».
– وماذا عن مخاوف البعض من تداعيات مغادرة سلامة على سعر الدولار؟
يستغرب الشامي هذا التخوف، لافتاً إلى انّ الدولار حقق أساساً قفزاته الهائلة في أيام سلامة، «ثم إنّ تثبيت السعر لا يتوقف على شخص انما على السياسة المعتمدة».
ويشير إلى انّ تدفق دولارات السياحة والمغتربين في فصل الصيف، الى جانب إخراج المواطنين أموالهم من المنازل للإنفاق على شراء احتياجاتهم، أدّيا إلى أن يصبح عرض الدولار اكثر من الطلب عليه، ما أنتج نوعاً من الاستقرار المرحلي في سعر الصرف، «لكن يبقى الأهم تنفيذ كل الإصلاحات المطروحة في خطط الحكومة، والتي تمّ على أساسها الاتفاق الأولي مع صندوق النقد الدولي»، لافتاً الى انّها هي وحدها القادرة على تأمين حماية مستدامة للعملة الوطنية، «الاّ انّ تطبيقها يتطلب اولاً انتخاب رئيس جمهورية ثم تشكيل حكومة اصلاحية تملك شجاعة اتخاذ القرارات المناسبة حتى لو كانت مؤلمة أحياناً».
ويشدّد الشامي على وجوب منح الحكومة المقبلة صلاحيات استثنائية في مجالات محدّدة ومحدودة، «حتى تستطيع تنفيذ الإصلاحات المتأخّرة، لأنّ الوقت بات داهماً، وبالتالي لم نعد نملك ترف انتظار الوتيرة البطيئة في نشاط المجلس النيابي، الذي يستغرق كثيراً من الوقت في مناقشة كل مشروع إصلاحي يُحال اليه، علماً انّه إذا أخفقت الحكومة في مهمّتها يمكن للمجلس ان يسحب الثقة منها».