لم تمر دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى مؤتمر دولي مروراً سلساً لدى من يعترض على الدعوة لأنه يرى فيها دعوة الى وضع لبنان تحت وصاية دولية، كما صرحت قيادات في حزب الله او مشروعا تقسيميا يمهد لتغيير النظام. علماً ان هذه الدعوة لم تكن الأولى من نوعها ولن تكون الاخيرة، وتعود لسنوات عدة، كما يعتقد عارفو البطريرك بشارة الراعي، وعارفو مكنونات قلبه وهواجسه نتيجة ما آلت اليه الاوضاع في لبنان والاخطار الوجودية التي تهدد كيانه.
معطيات عدة ساعدت الراعي على رفع الصوت، اولها ان الحزب لم يقم اعتباراً للاجماع المسيحي على رفض مرشحه وتسمية مرشح يحظى بالتوافق، بل استمر في استفزاز الوجدان المسيحي، محملاً المسيحيين مسؤولية التعطيل من خلال فرض مرشح غيرمرشحه!
ثاني تلك المعطيات تمثل في قراءة بكركي الصحيحة للموقف الفرنسي ومهمة الموفد الرئاسي جان ايف لودريان، وفيه، خلافاً لما يسوقه الثنائي، اعادة تموضع واضحة، تؤكد التزام باريس بالاجندة الدولية وترتكز على ثابتتين: لا نقاش في النظام ومسألة السلاح اولوية لا يمكن التغاضي عنها.
وارتياح بكركي لثوابت الديبلوماسية الفاتيكانية الصامتة، دفع الراعي الى تعزيز مبادرته، بعدما لمس تعذر الحوار الداخلي في ظل اختلال موازين القوى، ما يعطل بدوره الدينامية الداخلية، ويدفع الطرف المتضرر الى مناشدة الاسرة الدولية للتدخل.
لا يفوت الراعي ان طلب الرعاية العربية والدولية يثبت الاتهام الذي يوجهه الحزب ويقلقه جدا بتدويل الازمة، ولكن الامر لا يحرجه بعدما سقطت كل محاولات الحل الداخلي، علماً ان الازمة تحولت الى قضية، وهي ضمن الرعاية العربية والدولية منذ زمن طويل، ولا سيما عبر قناتي مجموعة العمل الدولية من اجل لبنان التي شكلت قبل نحو عقد ،والمجموعة الخماسية الدولية التي انبثقت عن اجتماع باريس قبل اشهر. وليست الدعوة الى المؤتمر الدولي الا لتوجيه الرسالة الى من يعنيهم الامر بأن شريحة اللبنانيين المعترضة على مشروع الحزب غير متروكة، واللجوء الى التدويل يأتي نتيجة لانعدام ميزان القوى، ورفضاً لأي تسويات محتملة على حساب اللبنانيين عموماً والمسيحيين على وجه الخصوص.
ويلاحظ ان مواقف البطريرك لا تخرج عن سياق متعدد الاطراف والمبادرات التي يقودها موفدون لبكركي في ثلاثة مسارات، التسويق لوثيقة بكركي الدولة المدنية والمسار الثاني يتمثل بالوثيقة حول الحياد، فيما يتصل المسار الثالث بالرؤية الاستراتيجية للمسيحيين والخيارات امامهم. وهذه الوثيقة لا تزال قيد الاعداد.