تشير آخر القراءات لبيان الاجتماع «الخماسي» من أجل لبنان في الدوحة، إلى أنه طوى صفحة المبادرة الفرنسية بمعادلتيها: رئاسة الجمهورية لسليمان فرنجية ورئاسة الحكومة لنواف سلام، والحوار من اجل التوافق على رئيس، الذي أطلقه الثنائي الشيعي «أمل وحزب الله» وتبناه الفريق الفرنسي، خلال مرحلة باتريك لوريل، امتداداً الى الموفد جان ايف لودريان. واللافت أنه بعد الاجتماع السابق للخماسي في باريس لم يصدر بيان عن المجتمعين، دلالة على الفشل، في الاتفاق فيما بينهم، أما في الدوحة فتكلل الاجتماع ببيان مشترك وضع النقاط على الحروف، فتجاهل الدعوات للحوار وأكد انتخاب النواب لرئيس الجمهورية، واستتبع البيان الرسمي المشترك بيانات تأكيدية لاحقة، عن وزارات الخارجية من الدول المشاركة.
وثمة من قرأ في البيان «الخماسي» اعتباره انتخاب رئيس للجمهورية أولاً، وقبل كل شيء، وأنه بهذا سحب الجانب الأميركي تفويضه للجانب الفرنسي بمعالجة الأمور اللبنانية، وثمة على جانب الثنائي، من يرى فيه وصاية مشتركة على لبنان.
الكثير من التوضيحات تنتظر عودة لودريان الى بيروت، وهو انتقل من الدوحة الى جدة حيث استعرض تطورات الملف الرئاسي مع وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، بحضور المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء نزار العلولا، والسفير الفرنسي لدى المملكة لودوفيك بوي، وقالت وكاله الأنباء السعودية (واس) إن البحث تناول العلاقات الثنائية وسبل تكثيف التنسيق المشترك في العديد من المجالات. وكانت الخارجية الفرنسية انضمت الى وزارات الخارجية الاخرى، المشاركة في «الخماسي»، بدعوة النواب والسياسيين اللبنانيين لاتخاذ خطوات فورية لكسر الجمود، وتقرر أن يجري لودريان محادثات مع فرقاء «اللجنة الخماسية» للاتفاق على ما سيقوله للاطراف اللبنانية حين عودته الى بيروت.
واقع الحال أن القراءات الداخلية تتفاوت بحدة، فالقوات اللبنانية تعتبر أن البيان اسقط المبادرة الفرنسية بتجاهله الحوار الذي دعت اليه مواكبة لموقف «الثنائي الشيعي»، ومراعاة لمصالح فرنسا النفطية على الشاطئ اللبناني وفي ايران، والحزب التقدمي الاشتراكي يرى البيان على هذه الصورة تقريبا، فيما يتمهّل «التيار الوطني الحر» ورئيسه النائب جبران باسيل بالتعليق، ربما بانتظار موقف «حزب الله» الذي اعاد فتح قنوات الاتصال معه.
أما كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهي الأخرى بانتظار خطوة لودريان التالية، مع أن رئيس هذه الكتلة هو صاحب طرح الحوار أولاً الذي أزيح جانبا في اجتماع الدوحة ليحل محله الانتخاب الرئاسي أولاً وليس آخراً.
وفي السياق عينه، رأى مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان أن الانقسام بين الكتل النيابية ما زال عموديا ولو تعددت جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، وقال: من دون أي تفاهم ولا تنازل ولا حوار لن نصل إلى نتيجة، وسيطول الفراغ الرئاسي، ولابد من حل، فالمساعدة الخارجية العربية والصديقة تساعد، ولكن الحل لدينا في المجلس النيابي.
وأضاف، في حفل تكريمي أقيم على شرفه في ضهور العبادية بالجبل، بحضور العديد من الشخصيات: “علينا أن لا نتدخل في شؤون الآخرين، والأشقاء العرب والأصدقاء يعملون جاهدين باجتماعات متكررة للجنة الخماسية لمساعدتنا للخروج مما نحن فيه، وهم لا يتدخلون في انتخاب هذا او ذاك، لأن هذه القضية مسؤوليتنا ومسؤولية المجلس النيابي بالذات، ولا يمكن أن يكون الحل إلا بالتنازل المتبادل بين الجميع.”
وقال: “لقد ارتضينا جميعا أن يكون لبنان وطنا نهائيا لنا تربطه العلاقات المميزة الصادقة مع محيطه العربي. لا أتصوّر لبنان أن يكون بدون عمقه العربي الواسع، ولا أتصوره من دون رسالة العيش المشترك التي يتميز بها لتكون مثالا لكل المجتمعات والدول التي فيها تعدد وتنوع”.
وتابع: “المسلمون السنة في لبنان ليس لديهم مشروع خارج إطار الدولة اللبنانية. مشروعنا هو قيام الدولة اللبنانية القوية القادرة والعادلة التي يلتف حولها كل اللبنانيين.”
وتوجّه المفتي دريان إلى المعنيين بانتخاب رئيس للجمهورية بالقول: “حكّموا ضمائركم لإنقاذ لبنان”.