يستعدّ لبنان لأسبوعٍ مفصلي على المستوييْن السياسي والمالي – النقدي يُخشى معه أن تتوغّل أكثر العاصفة الشاملة التي تقبض عليه في ظل الانسدادِ الكامل في الملف الرئاسي بفعل «السواتر» الداخلية التي تزداد ارتفاعاً وعدم نجاح الخارج في تشكيل قوة ضغط كفيلةٍ بتفكيك المأزق العميق وهو ما يتطلّب تقاطُعات إقليميةً – دولية لم تتبلور بعد وربما لا تتبلور أبداً ليُترك للبنانيين أن «يقلعوا شوكهم بأيديهم» ويُمْسِكوا بزمام أمورهم وأزماتهم.
وبعدما كان الأسبوع الماضي انطبع باجتماع مجموعة الخمس حول لبنان في الدوحة ببيانها الذي عاود تأكيد أن الحلّ داخل لبنان ووفق الآليات الدستورية لانتخاب رئيس بعيداً من إطاراتٍ (لحوار أو غيره) تشكل خطراً على جمهورية الطائف وتوازناتها ومع تلويح بعقوباتٍ على مَن يَمضون في عرقلة الاستحقاق الرئاسي، تعيش بيروت أجواء استعداداتٍ لعودة الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان إليها خلال الساعات الـ 48 المقبلة بعد نحو شهرٍ من الجولة الأولى من مَهمّة سيتبيّن مدى التراجعات فيها ربْطاً بالسقف العالي للقاء الخماسي في قطر والذي لم يقطع الطريق فقط على النسخة الأولى من مبادرة الاليزيه التي حاولت «تجريع» اللبنانيين خيار سليمان فرنجية (مرشح فريق الممانعة بقيادة «حزب الله»)، بل رَفَعَ بطاقة حمراء أيضاً بوجه أي آليات كان يؤسس لها لودريان لحوارٍ مسبق حول سلّة تسمح بفك أسر الرئاسة.
وتحلّ الزيارة المرتقبة للودريان، الذي كان عرّج على الرياض مرتين، عشية اجتماع الدوحة وغداته، فيما المخاوف تزداد من أن يشكّل الفتيل النقدي، الذي يُخشى أن يشتعل بقوة، مع الاستقالة المرتقبة لنواب حاكم مصرف لبنان الأربعة في الساعات المقبلة تمهيداً لتكليفهم تسيير المرفق العام وتَقاسُم مسؤوليات ما بعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة «مجتمعين»، جاذبة صواعق يتم على وهجها التحكّم بوجهة الأزمة الرئاسية ومحاولة تحديد «الزمان والمكان المناسبين» لطيّها بشروطٍ متفلتة مما وصفه «حزب الله» عبر قياديين فيه بـ «أفكار أميركية بصياغة خماسية» تضمّنها بيان اجتماع الدوحة «حيث لا يبتغى من وراء ذلك إلا فرض أوصياء يتجاوزون حواراً وطنياً لبنانياً، لأن وراء الأكمة ما وراءها»، محذراً الداخل والخارج «عليهم أن يتعلّموا من التجارب الماضية، وألا يجربوا المجرّب».
ولعلّ أكثر ما سيتم استكشافُه مع وصول لودريان، إلى جانب هل سيكون مبعوثاً لمجموعة الخمس (تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) بكل ما عبّر عنه بيان اجتماعها في قطر يوم الاثنين الماضي ما سيعني قلْب صحفة المبادرة الفرنسية المنفردة نهائياً، هو مدى الصعود الذي شهده اسم قائد الجيش العماد جوزف عون في السباق الرئاسي في ضوء ما رشح من لقاء الدوحة، وسط مؤشرات داخلية إلى أن «حزب الله» بات يعطي إشاراتٍ تشدُّد غير مسبوقة في مستواها حيال أي أفكار تتناول إمكان السير بخيار رأس المؤسسة العسكرية رئاسياً، وهو ما يوفّر تقاطُعاً نظرياً حتى الساعة له مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي عادت قنوات التواصل بينه وبين الحزب والذي يتقاطع في الوقت نفسه مع غالبية المعارضة على رفْض وصول مرشح الممانعة سليمان فرنجية وهو ما جعله يسير بترشيح جهاد أزعور والتصويت له في جلسة 14 حزيران التي هُزم فيها فرنجية بالنقاط (8 أصوات أكثر من فرنجية).
والواقع أنه منذ أن عُيّن قائداً للجيش صار اسم العماد جوزف عون حُكْماً على لائحة مرشحي الرئاسة الأولى. وقبْله كان قائد الجيش العماد جان قهوجي مرشحاً من الصف الأول وساهم الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية العماد ميشال سليمان الرئاسية، في تزكيته.
وبعد لقاء اللجنة الخماسية الاثنين الماضي، عاد اسم قائد الجيش ليتصدر الكلام حول ما دار في الدوحة من محادثات تتعلق برئاسة الجمهورية. ومن البدهي القول إن معاودة طرح اسمه كمرشح مستقل، يثير نقزة التيار الحر الذي ينصرف منذ أشهر إلى معركة في اتجاهين: فرنجية وقائد الجيش. وهو اذ تمكن من التقاطع مع المعارضة على مواجهة فرنجية ونجح معها في إحباط وصوله، إلا أن معركته مع قائد الجيش لم يَظْهَر بعد أنها ناجحة.
لم يكن دعم فرنجية من فرنسا قابلاً للصرف عربياً أو أميركياً، ما ساهم في وقف حملته. لكن الدوحة ومصر تعطيان إشارات منذ ان بدأت المحادثات حول رئاسة الجمهورية في لبنان إلى تأييد قائد الجيش، وهما كانتا أيضاً داعمتين لوصول قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي انتُخب عقب اتفاق الدوحة (مايو 2008).
وقطر التي تربطها علاقة جيدة مع باسيل، لا تخفي تحبيذها وصول قائد الجيش ويتردّد أنها تستعد لايفاد مبعوث لها الى لبنان تحت هذا السقف، لا سيما بعد ما خلص إليه اجتماع الخماسية. وبدورها لا تمانع الولايات المتحدة التي تدعم الجيش وتقدم لأفراده مساعدات عينية، وصول مَن تعتبره الأقرب إليها، كمؤسسة عسكرية أميركية التدريب والسلاح. أما فرنسا فكان لافتاً أنها للمرة الأولى أرسلت موفداً لها للقاء العماد جوزف عون أي لودريان خلال زيارته لبيروت قبل نحو شهر. ويبقى أن السعودية التي سبق واستقبلت عون لم تُبْدِ بعد أي موقف منه كما من غيره من المرشحين غير المحسوبين على حزب الله.
وفي هذه الصورة، يحاول باسيل التقاط ما يمكن التشبث به لمصلحة منْع وصول قائد الجيش.
لكن كلما اقتربت المسائل من حتمية الخيار تقول المعارضة إن باسيل قد يختار أهون الشرّيْن بين فرنجية وعون.
فالأخير يحظى بتأييد من «القوات اللبنانية» في حال وصل ترشيح أزعور الى حائط مسدود وفرضت التسوية النهائية اسم قائد الجيش. وهذا الأمر يضعه رئيس التيار الحر في الحسبان، خصوصاً ان بكركي لا تمانع وصول عون ما يعيطه تغطية مسيحية.
ومن الطبيعي أن أي مفاوضات مع باسيل ستشمل موقع التيار في العهد الجديد وفي الحكومة وفي قيادة الجيش وفي التعيينات من الفئة الاولى، ما يعني أن أي احتمالات قد يفتحها لقاء الدوحة في اتجاه اختيار اسمٍ غير مرشح «حزب الله» وغير مرشح خصومه، سيشرع باب المساومات من جانب الحزب والتيار، لأن كليهما في خندق واحد حتى الآن في رفض قائد الجيش، وإن كان اعتراض باسيل أشدّ تطلباً. ففي النهاية يتعلّق الأمرُ بموقع مسيحي وبالرئاسة الأولى التي لم يحصل عليها مَن كان رئيس الجمهورية السابق يعدّه لخلافته، لكن باسيل لن يتركها لغيره بسهولة.