تعوّل بعض القنوات المشتركة بين التيار الوطني الحرّ والحزب على توصّل الطرفين إلى ترميم الجسور على خطّ الضاحية-البيّاضة كمدخل لحلّ رئاسي لن يُصنَع بتقدير هؤلاء من دون الثنائي الشيعي ووريث ميشال عون السياسي. تُكتب مقالات في هذا السياق مشجّعة للحوار أقرب إلى عقلية “أبي ملحم” متجاهلة الهوّة السحيقة التي باتت تفصل بين الحليفين، والتي يرى كثيرون أنّها قد تزداد عمقاً في العهد الرئاسي المقبل وليس العكس.
منذ جلسة 14 حزيران التي كرّست معادلة معسكر جهاد أزعور، من ضمنه جبران باسيل، بوجه معسكر سليمان فرنجية، اشتغلت الاتصالات بين حليفَيْ مار مخايل وانتهت إلى جلوس باسيل ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا مجدّداً وجهاً لوجه.
حوار فوق الرُكام
أتى ذلك فوق “رُكام” علاقة نعاها “جنود” الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي ولم تنجح في إنعاشها محاولتان: الأولى زيارة المعاون السياسي للأمين العامّ للحزب الحاج حسين الخليل ووفيق صفا لمقرّ “التيار” في سنّ الفيل التي أتت عقب اندلاع الخلاف الكبير بينهما بعد مشاركة وزراء الحزب في الجلسة الأولى لحكومة تصريف الأعمال في 5 كانون الأول الماضي. ثمّ زيارة وفد الحزب برئاسة النائب محمد رعد للرئيس ميشال عون في الرابية في 2 شباط الماضي التي لم تدُم طويلاً بعدما أسمَع عون ضيوفه انتقادات لاذعة لأداء الحزب خلال عهده.
فعليّاً، طوال فترة “النقار” الرئاسي الناتج عن تغطية الحزب لجلسات حكومة تصريف الأعمال في السراي والتمسّك بترشيح سليمان فرنجية لم ينقطع التواصل انقطاعاً نهائياً بين باسيل وصفا، إذ بقي “الواتساب” شغّالاً على الرغم من إبلاغ السيد نصرالله رسمياً رئيس التيار في اجتماعهما في تشرين الثاني من العام الفائت بسير الحزب بترشيح فرنجيّة، مذكّراً ضيفه يومذاك بأنّ فرنجية “كان يمكن أن يُنتخب رئيساً عام 2016 بأكثر من 75 صوتاً، لكنّه لم يذهب إلى الجلسة فاسحاً المجال أمام وصول الرئيس عون إلى رئاسة الجمهورية استجابةً لرغبة الحزب”.
لا نتيجة عملانيّة
وفق المعلومات، لم يقُد حوار باسيل-صفا حتى اليوم إلى أيّ نتيجة عملانية تدفع أحدهما إلى التراجع خطوة إلى الوراء باستثناء تأكيد الطرفين العودة إلى الحوار من دون شروط مسبقة، وتمرير الحزب لباسيل كرة رفضه حصول أيّ نوع من التعيينات في الحكومة. تؤكّد أوساط مطّلعة أنّ “ما يحصل عبارة عن تضييع وقت غَرِقَ في تفاصيل مطالب باسيل من دون الوصول إلى نتيجة ملموسة، لكنّ الحزب ما يزال يربط تمسّكه بترشيح فرنجية بتقدّم ممكن أن يسجّله في حواره مع باسيل”.
لكنّ باسيل نفسه فَتَح “طاقة” صغيرة يحاول من خلالها الحزب التفاوض مع رئيس التيار لإقناعه بالسير بفرنجية بعدما شهر باسيل معادلة: “أعطوني سلّة مطالبي وخذوا الرئيس”. يقول نائب في التيار لـ “أساس”: “باسيل يقصد فعلاً أيّ رئيس بغضّ النظر عن هويّته إذا خرج بسلّة المطالب التي يطرحها على الطاولة”.
حتى إنّ باسيل “شارط” الحزب بأنّ “الضمانات المتعلّقة بإقرار اللامركزية الإدارية والصندوق الائتماني السيادي مرفوضة شفهياً، وهو بحاجة إلى التزامات مكتوبة أو تنفيذية”.
يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “أيّ نوع من الضمانات أو الالتزامات وصولاً إلى سلّة التعيينات، وبينها حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش وبعض المديرين العامّين ومراكز مسيحية أساسية، قد يكون الحزب قادراً على التفاوض في شأنها في حال كان النقاش يدور حول انتخاب فرنجية، لكنّ باسيل قد يجد نفسه مضطرّاً إلى أخذ جزء من هذه الضمانات من أطراف أخرى، على رأسها القطري، في حال كان التفاوض يدور على اسم قائد الجيش جوزف عون”.
كان لافتاً أمس حديث نائب الأمين العامّ للحزب نعيم قاسم عن مدّ الحزب “يد التعاون لانتخاب الرئيس المناسب إذا وافقوا”، مؤكّداً “التزام الحزب بالقوانين والمعايير الأخلاقية، لكنّ هناك قوى أخرى تريد الرئاسة المدعومة بمظلّة خارجية كخريطة للغلبة وتصفية الحسابات وإضعاف قوّة المقاومة”.
المؤكّد حتى الآن أنّ الحزب هو الرابح الأوّل من جلسات باسيل-صفا. فنزول رئيس التيار من مركب مؤيّدي جهاد أزعور وحده كفيل بإسقاط ترشيح الأخير نهائياً و”فرفطة” جبهة دعمه، حتى إنّ المعلومات تتحدّث عن توجّه أزعور إلى قطع “إجازته المؤقّتة” التي أعلنها صندوق النقد الدولي في 8 حزيران الماضي والالتحاق مجدّداً بموقعه رئيساً لدائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في “الصندوق”.
في هذا السياق تعلّق مصادر في التيار الوطني الحرّ على ردّ النائب فادي كرم الذي نفى من خلاله كلام النائب آلان عون عن بحث القوات عن ترشيح آخر غير أزعور بالقول: “القوات اللبنانية تخلّت عن أزعور قبل أن نتخلّى نحن عنه لصعوبة تسويقه. نعم نحن اليوم نبحث عن مرشّح آخر، ولا نعرف هل الزيارة الثانية للموفد الفرنسي جان إيف لودريان كفيلة بتأمين مناخات التوافق حوله”.
حصر خسائر باسيل
مع تسوية تحمل سليمان فرنجية أو أيّ مرشّح آخر جلّ ما يفعله باسيل، برأي مطّلعين على كواليس تحرّكاته، هو حَصْر دائرة خسارته من خلال الخروج بما يسمّيه إنجازاً بسحب مطالب علنية من بين براثن السلطة السياسية ورئيسها المقبل كاللامركزية الإدارية مثلاً وأخرى غير معلنة هي فعليّاً محاولة لحجز مكان على طاولة توزيع الحصص والمكاسب قبل أن يقسم رئيس الجمهورية اليمين الدستورية.
من يَعرف باسيل جيّداً يُسلّم بأنّ الأخير يستطيع أن “يخاوي” عهداً على رأسه فرنجية في مقابل صعوبة تأقلم مع عهد جوزف عون. لا الكيمياء ولا الشخصية ولا الأداء ولا الخلفيّة السياسية ولا الطِباع المتضاربة بين رئيس التيار و”الجنرال”، لا شيء من ذلك يسمح بالحديث عن ولاية رئاسية هادئة ومنتجة وإعادة باسيل تعويم نفسه حتى من مقاعد المعارضة الذاهب إليها حتماً مهما كانت هويّة رئيس الجمهورية.
يُنقل عن باسيل قوله في هذا السياق: “فرنجية فاشل ويمكن أن أتلقّى التهاني إذا انتُخب رئيساً للجمهورية بشروطي التي باتت معروفة”.
لكنّ ما لا يمكن أن يجد طريقه إلى النشر في ما يخصّ رأي باسيل في قائد الجيش الحالي الذي يقوله في مجالسه الضيّقة يمكن تلخيصه عن لسان العارفين: “جوزف عون هو المنافس الأشرس لباسيل. وولايته الرئاسية إذا جرت التسوية حولها فستهدّد حيثيّته السياسية والمسيحية خصوصاً إذا قضت هذه التسوية بوقوف الحزب إلى جانبه”.