لودريان، وبحسب معلومات «الجمهورية»، عكست لقاءاته التي أجراها في الساعات الأخيرة أنّ المبادرة الفرنسيّة لحلّ رئاسي في لبنان، ما زالت قائمة، ومُحصّنة بقوّة دفع وَفّرتها لها «دول الخماسية» التي تتشارَك الرغبة والقرار بالحسم السريع للملف الرئاسي.
وعلى ما تقول مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» فإنّ لودريان، وخلافاً للاصوات التي شَرعت بِنَعي مهمته، واستبقت لقاءاته بحياكة سيناريوهات تفيد بأنّ الموفد الفرنسي سيرفع الراية البيضاء ويستسلم، ويغادر لبنان خالي الوفاض، مُثقلاً بفشل تتقاسَمه باريس وسائر دول الخماسية، بدا في ما طرحه حاسماً في التأكيد على ان مهمّته تأسيسية لحل رئاسي طال انتظاره، لا بدّ لللبنانيين من أن ينخرطوا فيه. ولاحَظ مُحدّثوه، من مقاربته التي بدت محيطة بكلّ التفاصيل المرتبطة بالملف الرئاسي ومواقف الاطراف منه وتناقضاتهم حوله، أنّه بَدا عازماً على ان يصرف القدر الأعلى من رصيد حنكته السياسية، لإنجاح مهمّته على النّحو الذي يميل بالدفّة الرئاسية في الاتجاه الذي تتوخّاه المبادرة الفرنسية، ورسمته «خماسية الدوحة» في اجتماعها الاخير.
واذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد تعمّد بعد لقائه لودريان تقديم جرعة تفاؤلية بحديثه عن كوّة فُتحَت في جدار الملف الرئاسي، عكست انّ ما يطرحه الموفد الرئاسي إنْ بُنِيَ عليه وتم التفاعل الايجابي معه كما يجب، يمكن ان يعجّل بالقطاف الرئاسي. فإنّ هذه الجرعة، ووفق معلومات «الجمهورية»، بُنيت على جوّ مريح جدّاً ساد المحادثات بينه وبين الموفد الفرنسي، وما طرحه لودريان يتّسِم بجدية اكبر بل باندفاع اكبر لا يعكس فقط الحماسة الفرنسية في بلورة حلّ سريع لأزمة الرئاسة في لبنان، بل شراكة كاملة فيها من قبل سائر دول «الخماسية».
وبحسب المعلومات، فإنّ لودريان لم يبادر إلى طرح أي اسم من اسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية، كما لم يدخل في مفاضلة فيما بينهم، بل ان الاسماء جاءت من الطرف اللبناني، الذي استفسَر حول مصيرها، فيما تمحور الطرح الاساس للموفد الفرنسي حول وضع الملف الرئاسي على طاولة النقاش والحوار والتشاور بين الأطراف اللبنانيين للحسم الجدي والنهائي له، حوار مسؤول يجري في المدى المنظور، وضمن فترة لا تتعدى اسابيع قليلة مَداها آخر آب او مطلع ايلول المقبلين. وبالتأكيد، لن تكون باريس ولا سائر دول الخماسيّة بعيدة عنه، وهذا يؤشّر الى زيارة ثالثة قد يقوم بها لودريان لمواكبته. والفترة الفاصلة عن ذلك، تعتبر تحضيرية لهذا الحدث، سواء في الداخل اللبناني او مع دول الخماسية، ويفترض خلالها ان تتبلور مواقف الاطراف النهائية من هذا الطرح لناحية الاستجابة له او رفضه على نَحو ما جرى مع سلسلة الدعوات السابقة للحوار حول رئيس الجمهورية».
ووفق مصادر سياسية موثوقة، فإنّ مهمة لودريان حملت في جوهرها تأكيدات على ما يلي:
اولاً، المبادرة الفرنسية تشكّل أساس الحل الرئاسي في لبنان.
ثانياً، لا حل مفروضاً من الخارج على اللبنانيين، بل اطار اساسي لهذا الحل مرسوم بشراكة تامة بين دول الخماسية، إخراجه النهائي مسؤولية اللبنانيين الذين عليهم ان يتفاعلوا ايجابا مع هذه الفرصة، ويدركوا ان الوقت ليس في صالح لبنان. فحاجة لبنان مُلحّة جدا لإعادة انتظام حياته السياسية ومؤسساته، واستعادة دوره وحضوره وموقعه على المستوى الدولي. وقد بلغ الدائرة الحرجة حيث ان استمرار لبنان بلا رئيس للجمهورية وبلا حكومة وبلا مؤسسات، يعني مزيدا من الاهتراء، وانحدارا سريعا جدا الى فوضى اكبر واشمل.
ثالثاً، لا فيتوات مسبقة على ايّ اسم لرئاسة الجمهورية، والكلمة الفصل هنا هي للبنانيين، في تحديد اسم الرئيس ومواصفاته.
رابعاً، لا عذر لأي طرف لبناني في ان يُصادِم الارادة الدولية في تسريع الحل الرئاسي. وتضييع هذه الفرصة قد يجعل من تكرار مثلها امرا صعبا، وستترتّب على هذا التضييع مصاعب اضافية على لبنان، وكذلك على مضيّعي هذه الفرصة بشكل خاص.
ولفتت المصادر عينها الى أن قوة الدفع الأساسية التي تتمتّع بها المبادرة الفرنسية، تتجلى في أنها تعبّر عن «الخماسية» اولاً، وثانياً، وهنا الاساس، في الموقف الاميركي المتناغم كلياً مع الموقف الفرنسي، وتَرك لباريس مسؤولية حسم الاستحقاق الرئاسي بما يُلبّي حاجة لبنان الى انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن من دون اي شروط مسبقة. وثالثاً في الموقف السعودي الذي تشبوه ليونة اكبر حيال الملف الرئاسي في لبنان، وهو ما لمسه الموفد الرئاسي الفرنسي في زيارته الاخيرة الى السعودية قبل ايام قليلة من حضوره في زيارته الثانية الى بيروت.