لم يكن أحد ينتظر شيئاً من زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. فما سبقه من مؤشرات واتصالات عربية ودولية، كان كافياً للتثبت من أن الرجل إنما يقوم بزيارة مجاملة، ربطاً بوعده العودة إلى بيروت بعد زيارته الأخيرة. وهو عملياً لم يقل سوى جملة واحدة مفيدة: «سأغادركم إلى إجازتي الصيفية، قبل أن أرتب أموري وأعود في أيلول المقبل، مع اقتراح يتعلق بالحوار بينكم للتفاهم على برنامج الرئيس المقبل هويته».
مع ذلك، انشغلت قوى سياسية داخلية في تحليلات وتأويلات غير مفيدة لما سمعه زوار قصر الصنوبر، أو من زارهم الموفد الفرنسي، بين من اعتبر أن لودريان نعى المبادرة الفرنسية الخاصة بتسوية سليمان فرنجية – نواف سلام، ومن قال إن عدم تطرقه إلى أسماء في مداولاته يعني أن الأمور لا تزال مفتوحة على كل الخيارات. فيما يعتبر لودريان يعتبر أن اجتماعه الأهم سيكون اليوم مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في مقر الكتلة في الضاحية الجنوبية.
ومع القناعة بأن العقبات أمام وصول فرنجية لا تزال قائمة داخلياً وخارجياً، وأن محاولات المعترضين عليه لم تعد مجدية وفق تجارب الجلسات السابقة، قررت دول اللقاء الخماسي بأن يعود الجميع إلى العنوان العام المتعلق ببرنامج الرئيس المقبل، قبل اقتراح الاسم المناسب لهذا البرنامج.
ad
وعليه، فإن تقييم زيارة لودريان سلباً أو إيجاباً يبدو مبالغاً فيه، إذ يتضح من أجواء الاجتماعات التي عقدها أنه مكلّف من «الخماسية» بـ«ضبط» الشهرين المقبلين وتمديد الهدنة السياسية الهشة تحت عنوان «استكمال فرنسا لجهودها، حتى تطرأ ظروف جديدة من شأنها إحداث خرق».
وهو استكمل الوفد الفرنسي لقاءاته أمس باجتماع مع فرنجية في قصر الصنوبر، قبل أن يزور رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل في منزله في البياضة، وينتقل إلى معراب للقاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. والتقى لاحقاً نواب قوى «التغيير» وضاح الصادق وميشال دويهي ومارك ضو، ثم النائبين أحمد الخير وعبد العزيز الصمد عن كتلة «الاعتدال الوطني»، وعماد الحوت عن «اللقاء النيابي المستقل»، وفيصل كرامي عن تكتل «التوافق الوطني» .
واتّسمت محادثات لودريان مع من التقاهم بالصراحة التامة، وهو تصرف كموفد عن «الخماسية»، ولم يدخل في الأسماء ولم يأت على ذكر المبادرة الفرنسية، ولم يتحدث عن حوار جماعي أو عام، بل أكّد أنه سيقوم بجولة جديدة في المنطقة، قبل أن يعود في أيلول لإجراء مشاورات سريعة مع القوى السياسية، يليها عقد جلسات برلمانية متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية. ولفت إلى عدم وجود أسماء محددة لدى الخماسية بل «مواصفات أعلِن عنها في بيان الدوحة الذي وضع المعايير التي يجب أن يُنتخب الرئيس الجديد على أساسها».
وقرأت المصادر في المعلومات التي رشحت عن لقاءاته ما يلي:
ad
أولاً، تراجع حماسة باريس للمبادرة التي طرحتها أمام الاعتراض الداخلي والخارجي عليها. وبالتالي صارت باريس أكثر قناعة بصعوبة تسويقها، فعادت لتتحدث عن المواصفات والبرنامج.
ثانياً، عدم وجود قرار بتغطية أي حوار داخلي جرت الاستعاضة عنه بمشاورات «سريعة» قد لا تؤدي إلى مكان. وهذا يعني أن الانتقال بعدها إلى جلسات انتخاب لن يغيّر في النتيجة ما دام كل طرف متمسكاً بموقفه.
ثالثاً، بروز تطورات جديدة أكّدت أن باريس لم تعد تتفرد بالدور والجهد، بل دخل القطريون شركاء معها، بدءاً من الجولات التي يقوم بها مسؤولون قطريون في بيروت، وصولاً إلى زيارة المسؤول عن الملف اللبناني الوزير محمد بن عبد العزيز الخليفي لإيران، وسطَ معلومات عن أنه «سيبحث هناك الأزمة اللبنانية».
تراجع حماسة باريس للمبادرة التي طرحتها أمام الاعتراض الداخلي والخارجي عليها
ad
هذه الوقائع، جعلت القوى السياسية أكثر يقيناً بأن أوان الحل لم يحِن بعد، وبالتالي تراوح التعامل مع دعوة لودريان إلى المشاورات بين مرحّب كالتيار الوطني الحر وحركة أمل والكتائب والحزب الاشتراكي والنواب السُّنة الذين أيدوا فكرة عقد جلسات تشاور لمدة أقصاها ثلاثة أيام للبحث في مواصفات رئيس الجمهورية وبرنامج عمله. في المقابل، تمسّكت القوات اللبنانية بموقفها المتحفظ عن الحوار. وقال رئيسها سمير جعجع امس إن «الخلوة مع لودريان كانت جيدة، ولم نطرح أسماء جديدة إلا مرشحنا المُعلن عنه، لكننا لم نأخذ القرار بأي مشاورات حتى الآن»، خاصة أنه «لم يقدّم أي ضمانات حول عقد جلسات الانتخاب» كما أشارت مصادر قواتية.
وحتى أمس كانَ رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال مُصراً على إشاعة أجواء إيجابية، وصرح لصحيفة «الشرق الأوسط» بأن «خرقاً قد حصل»، رافضاً تحديد أسباب تفاؤله.
فيما اعتبرت أوساط سياسية أن الحراك هو «لعبة إلهاء» وأن التركيز يجب أن يكون على محورين أساسيين يمكن أن يكون لأي تطور فيهما انعكاس على الملف الرئاسي هما:
– الحوار بين حزب الله وباسيل لأن التقاطع بينهما على الانتخابات الرئاسية وحده من سيعيد ترتيب المشهد الداخلي، واتفاقهما سيدفع أطرافاً أخرى للسير بالتسوية.
– مسار العلاقة بين حزب الله والسعودية، إذ لم ينجح التفاهم السعودي – الإيراني حتى الآن في لجم «الحرب الناعمة» المستمرة مع الحزب ولا تزال الرياض تضغط لإنتاج نمط جديد من الحكم يعكس ما تعتبره توازنات جديدة في الداخل تكون لحسابها، إلا أن هذا المسار قد يتغير في أي لحظة إيجاباً وسيكون له أثره على الملف اللبناني.