المسلّم به انّ الفرج اللبناني مَدخله انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا الفرج، في ظل هذه السياسة وما حَفرته من انقسام عميق في البلد، يبدو حتى الآن اقرب الى حلم مستحيل تحقيقه، ما يعني ان عامل الانفراج الداخلي مفقود، وفي الوقت نفسه، ثبت حتى الآن ان العامل الخارجي، سواء من الشقيق او الصديق، ليس قادرا على فرض حل رئاسي من الخارج، وبَدا جلياً انّ أقصى ما في حوزته هو تكرار الاسطوانة القديمة الجديدة بما فيها من ترغيب بمساعدات وترهيبب بعقوبات، وأنه على المكونات السياسية في لبنان أن تتوافق فيما بينها على رئيس للجمهورية، علما ان الخارج القريب والبعيد على إدراكٍ تام بأنّ توافق اللبنانيين ميؤوس منه، ولا يمكن ان يحصل اصلا، بين خطوط سياسية متوازية لا تلتقي.
في ظل هذه الصورة، بات محسوما انّ شهر آب الجاري، وعلى حد ما يقول مرجع سياسي لـ»الجمهورية»ظن هو شهر ميت سياسيا ورئاسيا، حيث انه اضيف سلفاً الى اشهر التعطيل الرئاسي، كون مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان قد رحّلت الملف الرئاسي الى ايلول المقبل، وربطته بحوار سيطلقه بين المكونات السياسية. الا ان الامر نفسه، اي الاضافة الى اشهر التعطيل، سينسحسب حتما على شهر ايلول المقبل وما بعده، الا اذا حصلت معجزة مَكّنت لودريان من احداث خرق في الجدار الرئاسي».
هل سينجح لودريان؟
على انّ السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق: هل سيتمكن لودريان من تحقيق هذا الخرق؟
بحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» فإنّ الموفد الفرنسي، في لقاءاته مع القوى السياسية المعنية بالملف الرئاسي، لاحَظَ، ما وصَفته مصادر المعلومات، التعاطي الداخلي الحذر، او بمعنى أدق الفاتر من قبل بعض المكونات اللبنانية، مع مهمّته التي يعتبرها الفرنسيون تحديدا قوة دفع قوية للملف الرئاسي في لبنان نحو الحسم الايجابي.
وتشير المعلومات الى انّ لودريان عكسَ في مباحثاته موقف اللجنة الخماسية، الرامي على توافق اللبنانيين على خيار رئاسي جديد، بما يتجاوز كلّ ما طرح من مبادرات سابقة، لا سيما منها المبادرة الفرنسية القائمة على معادلة رئيس جمهورية مقابل رئيس حكومة، وخصوصا ان جلسة الانتخاب الاخيرة افرزت نتائج لم ولا تُمَكّن أياً من المرشحين المتنافسين في تلك الجلسة، من الوصول الى رئاسة الجمهورية. مع الاشارة هنا الى ان الجانب الفرنسي عارضَ الرأي الذي أُبدي في خلال مداولات الخماسية السابقة لزيارة لودريان الى بيروت، ويقول بإخراج رئيس تيار المردة من دائرة المرشحين ربطاً بنتائج جلسة الانتخاب الاخيرة. وأكّد الجانب الفرنسي بقاء فرنجية في دائرة المرشحين، ولكن مع الانفتاح على اسماء اخرى، وهذا بالتأكيد رهن بما يتوافق عليه اللبنانيون.
وتبعاً لذلك، تضيف المعلومات، فإن لودريان، الذي تجنب الحديث عن المبادرة الفرنسية ومعادلتها، اكد على الاولوية التي اكدت عليها اللجنة الخماسية اي اولوية اجراء الانتخابات الرئاسية، وطرح امام من التقاهم سؤالين مفادهما: الأول: ما هي الاولويات التي ينبغي على رئيس الجمهورية ان يلتزم بها؟ والثاني، ما هي المواصفات التي يجب ان يتحلّى بها رئيس الجمهورية، التي تُمكّنه من الالتزام بتلك الاولويات؟
وتشير المعلومات الى أن سلة الاجوبة لم تكتمل بعد، فثمة وقت من الآن حتى آخر آب، الا ان الاجوبة الأوّلية التي تلقاها لودريان، جاءت متناقضة، ولم تقرّبه من حافة التفاؤل في امكان نجاح مسعاه الحواري حول رئيس الجمهورية في ايلول، خصوصاً أنّ هذه الاجوبة عَبّرت بوضوح عن جوّ الإنقسام المعروف بين هذه المكونات، سواء على رئيس الجمهورية او الاولويات.
واكدت مصادر المعلومات، انّ لودريان سيدرس هذه الاجوبة بعد اكتمالها، وعلى اساس ما فيها من قواسم مشتركة او تمايزات، سيعود في بداية ايلول المقبل بطرح جديد لبلورة توافق على رئيس للجمهورية من خلاله.
وتلفت مصادر المعلومات الانتباه الى انّ لودريان في معرض مداولاته من المكونات السياسيّة، اكد ان امام اللبنانيين خيار اساسي هو ان يتوافقوا على رئيس للجمهورية، سواء عبر الحوار، او التوافق على اي من المرشحين الموجودين، على ان يمارس مجلس النواب دوره في هذا المجال في انتخاب الرئيس. مُستبعداً ان يحصل اي خرق ايجابي من دون هذا التوافق. وقد كان صريحا في قوله ما مفاده انكم في لبنان ان لم تتوافقوا على رئيس للجمهورية، فالمجتمع الدولي قد يسحب يده من اي مسعى ولن يلتفت الى لبنان، وسيترك اللبنانيين لمصيرهم.