قالت مصادر مطّلعة، إن حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، يتّجه نحو الادعاء على «كل من يظهره التحقيق متورّطاً» في كل ما يتعلق بمضمون التدقيق الجنائي الذي أجرته «ألفاريز ومارسال»، وأن هناك توافقاً في المجلس المركزي على القيام بهذا الأمر «مهما كانت هوية الجهات التي سيتبيّن أنها متورطة». وتشير المصادر إلى أنّ أيّ أموال اختلست أو خرجت من المصرف المركزي بشكل غير مشروع يجب أن تعود إليه، وبالتالي فإن الأموال التي «نعتبر أنها حقّ للمصرف المركزي سنعمل على إعادتها إليه، بمعزل عن حجمها وهوية الذين حصلوا عليها». وهذا الأمر يشمل كل الأسماء الضالعة، أو ما يمكن تسميته بـ«شبكة سلامة»، سواء حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وأيّ من العاملين أو العاملات في مصرف لبنان سابقاً وحالياً، والأقرباء، والمصارف والمؤسسات المالية المنخرطة ومالكيها أيضاً.
يأتي ذلك متزامناً مع ما اتّفق عليه أمس في المجلس المركزي؛ إذ تبيّن أنه جرى هناك نقاش يتعلق بإعادة هيكلة مصرف لبنان بهدف وضعه على مسار «الحوكمة»، وتوقيف كل العمليات التي كانت تجرى تحت ستار «الاستثنائية» والصلاحيات المطلقة من الحاكم، وأن هذا الأمر سينطبق على كثير من البيانات المالية والمصرفية، إنما لن يحصل الأمر سريعاً و«بكبسة زر»، بل سيكون «مساراً ضمن مدى مقبول زمنياً، ولا سيما أنه يتطلب تطبيق معايير محاسبية محدّدة وموحّدة لا معايير مزدوجة كالتي كان معمولاً بها خلال الفترة السابقة» يقول المصدر. وتطبيق هذه المعايير سيأخذ الأمور في اتجاه إعادة تحديد علاقة المصرف المركزي مع الدولة المركزية بكل الملفات المتصلة بهذا الأمر، سواء لجهة خسائر مصرف لبنان أو خسائر الدولة.
ولا يتوقع المصدر أن تتجاوب قوى السلطة السياسية مع هذا الاتجاه، بل على العكس ستحاول عرقلته قدر الإمكان، إنما لن تنجح في عملية الضغط لأنها ستصطدم بضعفها وعجزها عن توفير التمويل. عندها فقط قد تقدّم تنازلات في هذا السياق. ويستنتج محلّلون، أن هذه القوى قد تكون عرضة لضغوط أكبر في الفترة المقبلة مصدرها خارجي، فالمسألة الأساسية التي كرّرها مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية في لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين قبل تسلّم منصوري محلّ سلامة وبعدها، متّصلة بضرورة إيجاد طرق لتطويق «اقتصاد الكاش» وأن سلامةلم يكن يهتم بهذا الطلب، بل على العكس كانت سياساته تخلق اقتصاد الكاش وتوسّعه. فالأزمة لا يمكن أن تذوّب الخسائر وتشتري الوقت إلا عبر التضخم وتعددية أسعار الصرف والقيود غير المشروعة التي فرضها المصرف المركزي والمصارف على عمليات السحب والتحويل من الحسابات المصرفية. بهذا المعنى، أُعلن إفلاس المصارف وأُسقطت الثقة بها وبات كل النشاط الاقتصادي يدور خارج إطار المؤسسات التي تخضع للرقابة الأميركية اللصيقة.
الحوكمة في مصرف لبنان تتطلّب معايير محاسبيّة موحّدة ومحدّدة
إذاً، لن يكون هناك غطاء على أحد في مصرف لبنان، وهذا القرار يشمل كل الهيئات أو المؤسسات المرتبطة بمصرف لبنان من هيئة التحقيق الخاصة إلى هيئة الأسواق المالية، إلى الهيئة المصرفية العليا. وبحسب أعضاء في المجلس المركزي، فإنّ القرار اتّخذ في المجلس أمس من أجل تسليم كل المستندات التي طلبتها «ألفاريز ومارسال» ولم تُسلَّم لها في الفترة الماضية، من أجل إنجاز تقريرها بحرّية وبدقّة أكبر وبفعالية أكثر. لكن اللافت، أن مسألة التعاون مع «ألفاريز ومارسال» سبق أن عرضت على المجلس المركزي الحالي واتخذ قراره بهذا الشأن وبتسليمها المعطيات، إنّما تبيّن في ذلك الوقت أن المدير القانوني في المصرف بيار كنعان، قدّم صيغة لقرار المجلس المركزي، بالاتفاق مع الحاكم السابق رياض سلامة، تفيد بأنه سيتم تسليم كل المعلومات «وفقاً للقوانين المرعية الإجراء». هذه العبارة الفضفاضة استعملها سلامة وكنعان من أجل منع بعض المعلومات عن «ألفاريز ومارسال» باعتبارها تخضع للسرية المصرفية، ولهذا السبب تداول المجلس المركزي بهذا الأمر مجدداً للقول إن «الشفافية» هي المعيار المتّبع في التعامل مع هذه القضية. لكن لم يتّضح إلى أيّ مدى سيفتح «المركزي» دفاتره أمام «ألفاريز ومارسال».
100 مليون دولار
هو المبلغ الذي جمعه مصرف لبنان خلال الفترة الماضية، والذي يستند إليه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ليعلن في مؤتمره الصحافي يوم غد، تسديد رواتب العاملين في القطاع العام بالدولار النقدي كما حصل في الأشهر الماضية. هو ماضٍ بهذه السياسة، باعتبار ذلك إحدى الآليات التي تحقّق استقراراً في سعر الصرف وتقدّم مساعدة «ولو بسيطة» لنحو 400 ألف عائلة