بَدا من الخطاب التصعيدي العالي النبرة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في ذكرى شهدائها، انّ البلاد دخلت، عشيّة الحوار الرئاسي الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، في سباق بين منطقين، منطق الاعتدال الذي يشدد على الحوار العقلاني الذي يفترض ان ينتهي الاتفاق على انجاز الاستحقاق الرئاسي، ومنطق التهديد الذي يرفض الحوار ويكيل الوعيد وعرض العضلات في محاولة لقلب الطاولة من اجل التفرد والامساك بالسلطة وفق مشيئته.
كان الحدث الابرز امس الخطاب العالي السقف لجعجع في معراب على مسمع حلفائه من معارضين ونواب تغييريين، حيث حمل فيه بشدة على «محور الممانعة» مكيلاً له الاتهامات بالاغتيالات والفساد وايصال لبنان الى ما وصل اليه وتغيير حياة اللبنانيين وصولا الى وصف «حزب الله» بـ«الذئب» قائلاً له: «إذا كنت قادر تاكِلنا كِلنا نحنا وواقفين، ما تنتظر لحظة نخلّيك تاكلنا نحنا وقاعدين حدك». متوعدا فريق «الممانعة» بأن مرشحه لن يصل الى قصر بعبدا.
ولوحظ ان خطاب جعجع جاء بعد ساعات على اعلان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد من الديمان تأييده للحوار الذي دعا اليه بري محدداً بعض الضوابط والشروط لنجاح هذا الحوار، والذي رَد عليه احد نواب «القوات» معارضاً هذا الموقف البطريركي. كذلك جاء تصعيد جعجع في ظل بدء التحضير العملي للحوار الذي دعا اليه بري فيما بدأ الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان يحضّر ملفات تمهيداً لعودته الى لبنان التي توقعها البعض ان تكون في 11 من الشهر الجاري.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان خطاب جعجع يحتمل تفسيرين: الاول ان الاستحقاق الرئاسي ماض الى مزيد من التعقيد لأنّ المناخ الاقليمي والدولي ما زال غير مساعد على إنجازه تحت وطأة انشغالات العواصم المهتمة بملفات اقليمية ودولية تحتل الاولوية لديها قبل الملف اللبناني، وهذا ما يتيح لفريق المعارضة ان يصول ويجول متمسّكاً بمشروعه الرئاسي والسياسي للمرحلة المقبلة في مواجهة مشروع الفريق الآخر.
اما التفسير الثاني، فهو انه لربما تناهى الى فريق المعارضة ان العواصم الخارجية او بعضها المهتمة بلبنان توصلت الى توافقات معينة حول الملف اللبناني لا تجري رياحها بما تشتهي سفن المعارضين، فلجأوا الى التصعيد محاولين احباط هذه التفاهمات او تعديلها بما يخدم مصالحهم.
واكدت هذه المصادر انّ التطورات المرتقبة بدءا من اليوم، وبعد زيارة كل من الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين ووزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان هي التي ستكشف مدى صحة ايّ من هذين التفسيرين.