عندما يتعطّل الحوار ويكتشف الجميع أنّهم في مأزق كبير، يبقى الجبل بجناحيه الدرزي والمسيحي وبقياداته الروحية والسياسية الوطنية خشبة الخلاص والمحرّك الحقيقي للسياسة اللّبنانية التي تتخطى المصالح الشخصية الضيّقة للوصول إلى لبنان المحبة والسلام، فالجبل قلب لبنان، والقلب وظيفته أن يضخ الدم في الجسم، فإذا توقف القلب توقفت كلّ الأطراف عن الحركة وكذلك هو الجبل بالنسبة للبنان.
بهذه الكلمات البسيطة المعبّرة لخّصت مصادر بكركي زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الجبل غداً الجمعة، على أن تكون محطته الأولى في شانيه لزيارة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي أبي المنى، وبحسب برنامج الزيارة الذي يشرف عليه مطران صيدا وبيت الدين للطائفة المارونية مارون العمّار، ينتقل الراعي وأبي المنى من شانيه إلى مطرانية بيت الدين، حيث سيكون في استقبالهما عدد من الشخصيات السياسية والروحية ورؤساء بلديات ومخاتير، ومنها إلى بعقلين لإلقاء محاضرة في المكتبة الوطنية بدعوة من لقاء الشوف الجامع بعنوان “ثمار المصالحة وآفاق المستقبل”، ليتوجه بعدها الراعي وأبي المنى إلى المختارة لتناول الغداء بدعوة من الرئيس وليد جنبلاط.
ولفتَ شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي أبي المنى في حديث لـ”الأنباء” الإلكترونية إلى أنَّ “زيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي إلى الجبل هي حدث لا بدّ منه وقد أطلقنا على لقاء الزيارة في المكتبة الوطنية في بعقلين، وهي إحدى محطات البطريرك الراعي “ثمار المصالحة وآفاق المستقبل”، إذ كلما زادت التعقيدات كل ما كانت الحاجة أكبر لاستلهام روح المصالحة وزيارة البطريرك تصب في هذا الاتجاه، فكلنا معنيّون بلبنان الذي يتسّع للجميع ويحتاج الجميع”.
وذكّر أبي المنى أنَّ “بين لقاء البطريرك صفير والرئيس وليد جنبلاط عام 2001 وزيارة الراعي يوم الجمعة مسار أكّد حقيقية المصالحة، علماً أنَّ أمور كثيرة قد تغيّرت بين التاريخين، ولكن المصالحة بقيت وبقيَ الجبل، ولقاء الجمعة هدفه تثمير المصالحة حيث سوف نُجيب من بعقلين على سؤال كيف يمكن تثمير المصالحة”.
أمّا في الشقّ السياسي، دعا أبي المنى كلّ الأفرقاء إلى الاستجابة لدعوة الحوار، لافتاً إلى أنَّ “لا نريده أن يكون فوق الدستور أو تغييباَ للحياة الديمقراطية، لكننا نؤمن بجمال التسوية التي تحدث عنها كمال جنبلاط، إذ لا جدوى من الإمتناع عن الحوار، بينما نوعه وشكله ليس من مهمتي”.
مصادر سياسية وصفت في اتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية الزيارة بأنّها تأتي تكريساً لمصالحة الجبل التاريخية في الرابع من آب 2001 التي رعاها آنذاك جنبلاط والبطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، والتشديد على المحبة والشراكة الحقيقية، لافتةً إلى أهمية اللقاء الذي جرى في كليمنصو بين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل حيث ناقش فيه الطرفان المستجدات السياسية وأهمية التنسيق والحوار لتجاوز المرحلة الصعبة.
بدوره، اعتبر المطران بولس صياح في حديث لـ”الأنباء” الإلكترونية أنَّ زيارة الراعي إلى الجبل تنعش المصالحة أكثر وأكثر، وهذا بالنسبة لنا أمر مبارك لتوطيد العلاقة بين الأهالي أكثر وأكثر، فعندما يكون الجبل بخير يكون لبنان بخير.
من جهته، رأى النائب السابق ماريو عون في حديث لـ”الأنباء” الإلكترونية أنَّ زيارة الراعي إلى الجبل تؤكّد ثبات المسيحيين في أرضهم وقراهم وترسيخ للعلاقات مع جيرانهم، كما التقارب بين أهل الجبل بعد المصالحة الكبرى التي حصلت سنة 2001 لتكريس العلاقات المسيحية الدرزية، خصوصاً وأنَّ الراعي سيلبي دعوة جنبلاط للغداء في المختارة.
وفي السياق، اعتبرَ النائب السابق فادي الهبر أنَّ الزيارة تصب بنفس واحد، هو وحدة الجبل، فالجبل هو العمود الفقري للبنان وترسيخ التعايش في الجبل مسألة مهمة جداً، لافتاً إلى أنَّ الجبل بتعدده وتنوعه يشكّل الشريان الحيوي في بنية الدولة اللّبنانية، وأي ضعف في هذه التعددية هو ضرب للوحدة الوطنية.
وعن زيارة الجميل لكليمنصو، أكّد الهبر في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية استمرار علاقة التواصل القائمة بين النائبين تيمور جنبلاط وسامي الجميّل، وبالتالي الحفاظ على قنوات التواصل التي أنشأها وليد جنبلاط وأمين الجميّل، خصوصاً وأنَّ قوة لبنان من قوة الجبل، معتبراً أننا في بلد “مشلع”، واستمرار الدولة بدون رئيس للجمهورية قد يؤدي إلى انهيارها، إذ إنَّ هناك صعوبة في التعاطي السياسي، ولذلك فإنَّ هذه الزيارة حتماً تعزّز الثقة وتنعش المصالحة أكثر وأكثر.
بدوره، أشارَ الإعلامي بشارة شربل لجريدة “الأنباء” الالكترونية أنَّ زيارة البطريرك الماروني إلى الجبل أصبحت أمراً تقليدياً من أجل تثبيت المصالحة وتكريس التعايش بين أبنائه.
إذاً، في ظلّ زيارة الراعي إلى الجبل، لا بد من أخذ العبرة في زمنٍ يُرفض فيه الحوار في حين ان البلد أحوج ما يكون اليه، ولكن تبقى الأنظار شاخصة الى حوار أيلول وما إذا كانت الجلسات المتتالية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي ستثمر رئيساً توافقياً قادراً على تخطّي الأزمات والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات في الدولة.