مع كلّ نهاية فصل الصّيف، يبدأ الأهالي والطّلاب والأساتذة التّحضير للعام الدّراسي الجديد. وإذا كان العام الدّراسي الماضي قُسّمت أقساطه بالدّولار الفريش والعملة الوطنيةّ، فهذا العامّ لم يسلم أبدًا من دولرة القطاع بأكمله، لاسيّما الأقساط والكتب والدفاتر.
فكيف يبدو المشهد هذا العام بالنّسبة للتعليم العام والخاصّ؟
وزير التّربية والتّعليم العالي عباس الحلبي، قال إنّ العام الدراسي الحالي كان صعبًا، لكن يخشى أن تكون السنة المقبلة أصعب.
وحول دولرة الأقساط، إعتبر أنّ هناك زيادات مضخّمة وأخرى مقبولة، والقانون يعطيه صلاحية محدودة مع المدارس الخاصة، على الرغم من خرقها قانون إلزامية التسعيرة بالليرة اللبنانية. وأكّد أنّه علينا تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للهيئات التعليمية والإدارية.
كارثة تربوية يعيشها التعليم الرّسمي
خلال السنوات الدّراسية الماضية، شهدنا موجات عارمة من الإحتجاجات والإضرابات المفتوحة مع دولرة أسعار السلع والمواد الإستهلاكية والمحروقات، ما سبّب بتوقّف القطاع التعليمي العام عن التعليم لفترة أربع سنواتٍ بطريقةٍ متقطّعة، وكان المشهد واضحًا أيضًا في الجامعة اللبنانية.
وما زاد الوضع سوءًا في القطاع الرسمي، هو إرتفاع عدد الطّلاب ونزوحهم من المدارس الخاصّة إلى المدارس الرّسمية، مع إنهيار العملة اللبنانية ودولرة الأقساط. وهذا ما زاد العبء على المدارس الرّسمية التي لم تعد تحتمل كل هذه المسؤوليات، لاسيّما مع إستقبال الطلاب السوريين بعد الظّهر.
وفي هذه الحالة، التكاليف ستزداد على الموظّفين والمربيّين وعمّال النظافة وغيرهم.
أمّا الكارثة الحقيقيّة، فهي تقع على الأستاذ. أولًا لأنه لم يعد يتحمّل الأعباء الإقتصاديّة الصّعبة في البلاد، مثله مثل أي مواطن لبناني، ثانيًا لأنّ راتبه لا يزال بالعملة الوطنية، عكس بعض الموظفين في القطاع العام مثل الإستشفاء وإدارة الأعمال والهندسة.
ثالثًا لأنّه عليه الحضور يوميًا على إعتبار أنّ البلاد سلمت من فيروس كورونا ولم يعد هنالك حجّة اللجوء للتعليم الإفتراضي.
القطاع الخاصّ ليس أفضل بكثير!
تتّجه المدارس الخاصّة اليوم إلى رفع أقساطها بالدّولار الفريش، لتأمين مستلزماتها ومصاريفها المدرسية، بما فيها رواتب الأستاذة والمعلّمين. ولكن قرارات هذه المدارس لم تأخذ أبدًا بعين الإعتبار الواقع المرير الذي يعيشه الأستاذ الذي يكافح ويعطي كلّ وقته لتلاميذه، ولأهالي الطّلاب الذين يتصارعون يوميًا للبقاء في بلدهم.
فكيف يمكننا تبسيط المشهد؟
في الفترة الأخيرة، بدأت المدارس الخاصّة برفع أقساطها مجددًا بطريقةٍ خياليةٍ تفوق كلّ التوّقعات، تتراوح ما بين الـ1500 دولار إلى الـ 6000 دولار (وهنا نتكلم فقط عن أقساط الإبتدائي وأولى مراحل التعليم)، بالإصافة إلى القسم اللبناني الذي يتراوح ما بين الـ15 مليون والـ50 مليون لاسيّما في المدارس الكاثوليكية، بحسب مصادر الدّيار.
هذه الإشكاليّة نقلناها لعضو في لجان الأهل، وأستاذ في اللغة الفرنسية في مدرسةٍ خاصّةٍ، ليؤكد لنا أنّ لجان الأهل ضدّ هذه التدابير لأنّ المدارس وحدها من تستفيد من هذه الزيادات، أمّا الأستاذة لا يزال راتبهم ضئيلًا جدًا بالنسبة للوضع الراهن في البلاد وبالنسبة للأقساط المدرسية.
ومن الطّبيعي، أن يطالبون بإرتفاع أجر السّاعة، وإلّا سنضطر لمغادرة مدارسنا، على حدّ تعبيره.
وفي حديثها للدّيار، تؤكّد معلّمة الرياضيات إلينا توما، أنّ هنالك مشكلة حقيقية يعاني منها الأستاذ في المدارس الخاصة غالبًا ما لم يتمّ التطرق إليها. وهي أنّه ليس هناك طبابة مئة في المئة للأستاذ وإنّما يتّكل على الضمان الإجتماعي الذي يغطّي التكاليف بحسب قيمة الـ1500 ل.ل.
أمّا عن الراتب التي تتقاضاه، فعلى حدّ تعبيرها هو ضيلا جدًا بالنسبة للأقساط المدرسية، لأنّه أصبح أقلّ بـ25% ممّا كان عليه أيّام الـ1500 ل.ل. ورغم إعطاء الراتب (x3) عمّا سبق، لكنّه طبعًا غير كافٍ نسبةً لجهد الأستاذ ومتطلبات التدريس.
وتتخوّف توما من عامٍ دراسيٍ مشابه بالذي مرّ علينا العام الفائت، المليء بالإضرابات والتّسكير نتيجة القهر والذل الذي تعرّض له الأستاذ، لاسيّما أستاذة المدارس الرّسمية.
ولفتت إلى أنّ المشاكل الإقتصادية التي يعاني منها الأستاذ كبيرة، نسبةً لراتبٍ لا يتعدّى الـ200 أو الـ300 دولار بحدّه الأقصى.
وقالت: بعض المدارس وصلت الى الـ50% بحسب أساس الرّاتب، ولكن، هذه النسبة قليلة جدًا بالنسبة لبعض المدارس في لبنان.
فهل سيسلم القطاع التعليمي هذا العام من مشاكل العام الفائت أم أنّنا سنخسر هذا القطاع وعلى الدّنيا السّلام؟