أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، قبل أسابيع، أحد كوادر حركة «حماس»، خليل أبو معزه، في منطقة دلّاعة في صيدا، على خلفية الاشتباه فيه بالتعامل مع العدو الإسرائيلي. قبل توقيفه، لم يكن فرع المعلومات على بيّنة من طبيعة عمل المشتبه فيه داخل الحركة… قيل إنه يعمل في الجناح العسكري ويتولى التنسيق مع فروع الحركة داخل فلسطين المحتلة.
عملية التوقيف جرت بسرية مطلقة، وبقي أبو معزه قيد التحقيق من دون معرفة أحد من المعنيين. لاحقاً، تواصل فرع المعلومات مع قيادة «حماس» في لبنان للسؤال عن تفاصيل تتعلق بالموقوف، بعدما تبيّن للمحقّقين أن تجنيد الاستخبارات الإسرائيلية له تمّ عبر عملية أمنية خاصة استغرقت بعض الوقت، وهدفت إلى إيصال «حماس» إلى إرساله إلى بيروت.
(هيثم الموسوي)
والموقوف من عائلة لجأت إلى مخيم جباليا شمال القطاع، ويسكن مع عائلته في مشروع بيت لاهيا الذي يُعدّ الجزء الجديد من المخيم بعد توسيعه. وهو ابن لشخصية فلسطينية محترمة في القطاع، وفي أوساط حركة حماس نفسها. الوضع الاجتماعي الصعب للعائلة دفع حركة «حماس» إلى توظيفه في أحد قطاعاتها لمساعدته في تحسين الوضع الاجتماعي لعائلته. وهو تولّى في مرحلة معينة مهمة «مراسل بريد» في معسكر جباليا التابع لكتائب عز الدين القسام. وهو قال في إفادته أمام المحقّقين إنه عمل في سلاح الهندسة التابع لكتائب القسام شمال قطاع غزة، قبل أن ينخرط بصورة كاملة في الجناح العسكري لـ«حماس»، ويقيم شبكة علاقات داخل الحركة وخارجها. ومنذ سنوات، نجحت استخبارات العدو في تجنيده مقابل المال، وبدأت أوضاعه المادية بالتحسّن، وطُلب منه أن يبرّر ذلك بأنه يعمل مع جمعية خيرية في تركيا، ويتقاضى راتباً جيداً، وأن الجمعية التي تعمل واجهة لاستخبارات العدو عرضت عليه السفر إلى تركيا للعمل هناك، وهو ما حدث بالفعل. وبعد أشهر، تواصل مع قيادات «حماس» الموجودة في تركيا، واستخدم علاقات والده للتقرّب من مسؤول في الحركة يقيم في إسطنبول، ونجح من خلاله بالعودة إلى جسم الحركة، وتسلّم عملاً يتعلق بالملفات التي تخصّ كتائب القسام في الخارج. بعدها، طلب منه مشغّلوه أن يسعى لدى الحركة لنقله إلى بيروت، والعمل مع فرع كتائب القسام في لبنان. إلا أن محاولاته باءت بالفشل. عندها تدخّلت الاستخبارات الإسرائيلية لدى السلطات التركية، بناءً على اتفاق بين الطرفين بعدم سماح تركيا بنشاطات للجناح العسكري لـ«حماس» على أراضيها، وقدّمت ملفاً إلى سلطات أنقرة حول نشاط أبو معزه. فطلبت السلطات التركية من قيادة «حماس» إبعاده إلى غزة أو نقله إلى دولة ثالثة، وكان القرار بنقله إلى بيروت، وهو ما كانت استخبارات العدو تسعى إليه منذ البداية.
أفشل «العميل» عدداً من عمليات المقاومة في الضفة الغربية وشارك في تجنيد عملاء
بعد وصوله إلى بيروت، عملت الحركة على توفير مقر إقامة له في المبنى نفسه الذي يقيم فيه المسؤول المالي للحركة. وباشر عمله ضمن الوحدات السرية في الحركة في لبنان. وقد صادرت القوى الأمنية من شقته في صيدا عدداً من أجهزة الكمبيوتر.
وتبيّن من التحقيقات أن لأبو معزه علاقة مع مهندسين من كتائب القسام يعملون في مختبرات لتطوير أسلحة خاصة بالمقاومة الفلسطينية، من بينهم الشهيد حمزة شاهين، خبير المتفجرات الذي استشهد في انفجار غامض في مسجد في مخيم البرج الشمالي في 10 كانون الأول 2021. وتبيّن لاحقاً أن الانفجار تسبّبت به عملية تخريب قام بها عملاء للعدو.
وأظهرت التحقيقات أن الموقوف انتقل للعمل مع قسم الضفة الغربية في الحركة، وكان على صلة بتنظيم مجموعات «حماس» المقاتلة في الضفة الغربية. ويبدو أنه لعب دوراً في كشف عدد من خلايا المقاومة داخل فلسطين. ويجري التدقيق في علاقته بنجاح العدو في إحباط عمليات أمنية قبل تنفيذها داخل الضفة.
وبسبب عمله مع سلاح الهندسة في «كتائب القسام» في منطقة شمال غزة، أُوكلت إليه مهام عدة من بينها تدريب مقاومين وإخضاعهم لدورات في هندسة المتفجّرات. وهو كان يرسل فيديوهات عن كيفية تصنيع المتفجّرات إلى عناصر حماس وكتيبة جنين ومجموعة عرين الأسود في نابلس. وفي إحدى المرات، أرسل معلومات «خاطئة» تسبّبت بانفجار عبوات أثناء إعدادها.
وفي بيروت، كلّفه العدو برصد شباب «حماس» الذين يغادرون الضفة الغربية أو قطاع غزة إلى لبنان، وقد اعتقلت قوات العدو بعض عناصر الحركة في فلسطين بناءً على معلومات قدّمها الموقوف. كذلك طُلب منه ترشيح أشخاص ليصار إلى تجنيدهم، سواء في غزة أو لبنان أو تركيا.
وبعد اطّلاع حركة حماس على موجز أمني حول وضعه بعد التوقيف، وإبلاغ عائلته باعتقاله في لبنان بتهمة التخابر مع العدو، باشرت الحركة تحقيقات في القطاع شملت كل الأماكن والأشخاص الذين عمل معهم أو بقي على تواصل معهم بعد مغادرته إلى تركيا، كما تجري مراجعة الملفات التي عمل عليها. ويجري التكتّم داخل القطاع على نتائج التحقيقات، فيما تتعاون الحركة مع فرع المعلومات الذي يطلب معلومات محدّدة للتوسّع في التحقيق مع الموقوف.
المحكمة العسكرية تبرّئ مزاحم
بعد توقيف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الباحث هيثم مزاحم، في 16 أيار الماضي، وإحالته إلى القضاء العسكري الذي ادّعى عليه بجرم التخابر مع العدو الإسرائيلي، أصدرت المحكمة العسكرية برئاسة العميد خليل جابر حكماً بوقف التعقّبات عنه وإخلاء سبيله من سجن رومية. ولم تبادر النيابة العامة إلى استئناف الحكم، علماً أن الجهات الأمنية المعنية تؤكد «دقة وصحة معلوماتها» حول مزاحم.
وخلال جلسة المحاكمة، اتّهمت محامية مزاحم فرع المعلومات بتلفيق التهمة لموكلها الذي ردّ على أسئلة جابر بنفيه معرفة أن ياسمين الرشيد التي تعامل معها لسنوات كانت تعمل لمصلحة «الموساد» الإسرائيلي. وقال إنه تعرّف إليها افتراضياً وتعاون معها لنحو خمس سنوات مقابل ستة آلاف دولار أميركي بدل مقالات حول القضية الفلسطينية كتبها بناءً على طلبها. وبرّر قيامه بحذف الرسائل بينهما «كونه مضى عليها أكثر من سنتين». وقال إن الرشيد لم تطلب منه أي عمل أمني، فيما أشارت محاميته إلى أن الرشيد «لا تزال تنشر مقالات عن القضية الفلسطينية، ومقالاتها لا تدل على أنها عميلة للموساد الإسرائيلي». ولاحقاً، نُسب تسجيل صوتي إلى مزاحم يقول فيه إنه سيقاضي الجهات الإعلامية التي نشرت «أخباراً ملفّقة» حوله.