بينما يدخل الفراغ الرئاسي سنويته الأولى، يبدو المشهد قاتماً على المستوى السياسي، ما يؤشّر إلى مرحلة بالغة الخطورة تواجه البلاد، وقد أصبحَ معها الواقع الأمني المترنّح أصلاً على المحكّ. وفقَ المعلومات المتوافرة فإن الاستمرار في التعطيل هو العنوان الذي يتقدّم على ما عداه حيث الأفق مسدود داخلياً وخارجياً، بسبب المناكفات السياسية والانقسام الإقليمي – الدولي، إذ لم يأتِ الاجتماع الذي عقدته الدول الخمس المشاركة في اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان، والمؤلّفة من فرنسا، أميركا، قطر، السعودية ومصر، بأي تصوّر جديد، بل على العكس أظهر اجتماع نيويورك جبهة موحّدة ضد الحراك الفرنسي، تضم واشنطن والرياض والدوحة، وتكشّفت هذه الجبهة من خلال انتقاد «الدور الفرنسي وفشله في توحيد اللبنانيين أو حتى إقناعهم بالحوار»، وإعطاء فرنسا مهلة محدّدة لإنجاز حل مع إطلاق تهديدات تحدّثت عن وقف المساعدات عن الجيش اللبناني.
ولوحظ في هذا السياق، أن الدوحة، وبعد النعي غير المعلن للدور الفرنسي، بدأت تتحرك بشكل أكبر وأوسع، إذ لم تمر أيام على انتهاء اجتماع نيويورك حتى وصل موفد قطري إلى بيروت للقيام بجولة على القوى السياسية.
وقالت مصادر مطّلعة إن «القطريين منذ فترة يتحضّرون لوراثة فرنسا في لبنان، لكنهم كانوا ينتظرون غطاءً محلياً وخارجياً»، مشيرة إلى أن «الدوحة حصلت عملياً على ضوء أخضر خارجي من أميركا والسعودية لتسلّم الدفة بدلاً من فرنسا»، إلا أنها تسعى أيضاً الى انتزاع وكالة محلية من القوى السياسية للمباشرة بدورها رسمياً كوسيط لحل الأزمة.
وعليه، باشر الموفد القطري لقاءاته مع المسؤولين السياسيين لهدفين: الأول تحصيل القبول بدور الدوحة بدلاً من باريس، ومن ثم التفاوض على اسم قائد الجيش العماد جوزف عون الذي صارَ واضحاً أنه المرشح الحقيقي للخارج، على الرغم من أن القطريين حملوا سابقاً لائحة تتضمّن أسماءً عدة، من بينها الوزير السابق زياد بارود والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري.
وعلمت «الأخبار» بوجود مساعٍ لقطر تتيح لها العمل منفردة وبشكل مستقل عن أعضاء الخماسية، للوصول إلى ما يُشبه «صلح الدوحة» الأول عام 2008، والقيام بتسوية متوازنة قاعدتها لا غالب ولا مغلوب. وتعتمد قطر في هذا الإطار، على علاقتها الجيدة مع مختلف القوى السياسية، إضافة إلى «الخدمات» التي ستقدّمها مقابل إقناع القوى السياسية بالسير بالتسوية والقبول بقائد الجيش. وغير ذلك، فهي تعبّر دائماً عن استعدادها للقيام بالدور الاقتصادي المالي الذي تُحجِم عنه الرياض، أي إعادة دعم القطاع المصرفي من خلال تقديم وديعة كبيرة للمصرف المركزي، وكذلك القيام بمشاريع استثمارية في البلد، ولا سيما في القطاعات التي تحتاج إلى دعم كبير.
الحراك القطري، ينطلق على وقع احتدام الاشتباك السياسي ولا سيما بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والقوى المسيحية المعارضة لمبدأ الحوار. وبينما تسرّبت معلومات عن رسالة بعثها بري إلى رئيس “التيار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل لتحديد موقفه من الحوار، مع التأكيد أن بري سيترأّسه ويديره وسيكون على مستوى الكتل النيابية، وسيكون محصوراً بالنقاش في الأسماء، ردّ باسيل في تصريح له عبر مواقع التواصل أنه «لا أفهم كيف الحرص على الحوار لانتخاب رئيس، هو رفض للحوار، كلّ أمر له شروطه وظروفه لكي ينجح». وتساءل «إذا قلنا إنّه يجب أن نتّفق بالحوار على برنامج العهد بخطوطه العريضة، حتّى ننتخب رئيساً على أساسه وينجح بعهده، نكون نرفض الحوار أم حريصون على إنجاح العهد؟ إذا قلنا إنّ رؤساء الأحزاب يجب أن يكونوا في الحوار لكي يكون هناك قرار وليس فقط كلاماً، نكون نرفض الحوار. نحن قلنا ونكرّر أنّنا مع حوار جدّي ينجح، ومن لا يريد الحوار هو من يرفض تأمين ظروف النّجاح له».