هل تنجح قطر حيث فشلت فرنسا؟

تنحّت فرنسا، أو نُحّيت عن متابعة العمل على تسويق مبادرتها الّتي تتوافق مع رؤية ثنائي حركة أمل وحزب الله بعد اصطدامها بتعنّت المعارضة والتّيّار الوطني الحرّ، فدخلت قطر، المخضرمة في عقد التّسويات، على الخطّ اللّبنانيّ السّاخن عبر جولات مكّوكيّة بانت ملامحها منذ اليوم الأوّل وهي البحث في خيار ثالث، ما يعني تبنّي وجهة نظر خصوم الثّنائي الوطني، وقد كشفت مصادر «فرنجية» أمس عن عرض قدّمته له قطر للانسحاب من السّباق الرّئاسي ورفضه.
فهل أجهض موقف حركة أمل وحزب الله المتمسّك بدعم الوزير السّابق سليمان فرنجيّة المبادرة القطريّة في مهدها؟

ينفي الرّئيس نبيه برّي ذلك مطلقاً، بل يعبّر عن استعداده للمساعدة في إنجاح المبادرة القطريّة أو أي مبادرة تساعد في إنهاء الشّغور الرّئاسي، ولكن على قاعدة ثابتة أبلغها إلى ممثّلي الخماسيّة في لقائهم الأوّل معه بعد اجتماعهم الأوّل في باريس وأعاده قبل أيّام: «عندما أتى سفراء الدول الخمس إليّ في المرة الأولى، قلت لهم اننا نشكرهم على مؤازرتهم لنا لانتخاب الرئيس الذي نختاره نحن ولا يختارونه لنا. هذا الكلام أعيد تكراره. نشكر تعاونهم على ما نرضاه نحن وليس ما نرتضي به».

وما لم تقدّمه فرنسا وقطر قدّمه الرّئيس نبيه برّي على طبق من حوار غير مشروط، لكن، عندما يرفض الفريق الواحد يرفض الخيارات المتعدّدة تصبح الصّورة أوضح لمن يحسن القراءة.

رئيس حزب القوّات اللّبنانيّة وفريق المعارضة الّتي يقودها يردّدون لازمة «تطبيق الدّستور» في ما يخصّ الانتخابات الرّئاسيّة.

وفي معرض تبرير رفضه للحوار قال جعجع ردًّا على تصريح الرّئيس برّي الّذي قال فيه: «أدّيت قسطي للعلى وليتفضّل مَن رفض الحوار أن يقدِّم لنا بديلًا»: «أنا اقدِّم لكم البديل من صلب موقفكم بالذّات، حيث جاء على لسانكم حرفيًّا «كان في مقدورنا أن نجتمع، فإن توافقنا فهذا خير للبلد، وإن لم نتوافق، فلا يعني ذلك نهاية الطريق، بل في كلا الحالتين ننزل الى مجلس النواب ونَحتكم الى صندوقة الاقتراع في جلسات انتخاب متتالية ومفتوحة حتى نتمكّن من انتخاب رئيس للجمهوريّة، وليربح مَن يربح»، وبالتالي لماذا لا تعتبر بكل بساطة، يا دولة الرئيس، أنّنا لم نتوافق فيصار بعدها الانتقال مباشرة إلى الشقّ الثاني من مبادرتكم عبر الدعوة إلى جلسة بدورات متتالية…».

تقول أوساط الثّنائي: إذا كانت الدّعوة إلى جلسة انتخاب الرّئيس من صلب الدّستور فمن صلبه أيضًا حقّ النّوّاب بالانسحاب من أيّ جلسة، وعدم المشاركة أساساً، فالدّستور ليس لائحة طعام نختار منها ما نشتهيه، وقد عبّر وجعجع وغيره من فريقه في فترة سابقه عن استعداد المعارضة لتطيير النّصاب في حال ضمن الثّنائي حصول الوزير سليمان فرنجيّة على الأصوات الكافية لانتخابه، فإذا طبّقنا الدّستور سنبقى في المربّع ذاته ولم نحرز أيّ تقدّم.

أمّا الإصرار على الحوار فالهدف منه التّلاقي على طاولة واحدة وطرح الهواجس في غرفة مغلقة بدل التّراشق الإعلامي الّذي يزيد الشّرخ بين اللّبنانيين ويعقّد الأزمة بدل حلّها، ودعوة الرّئيس نبيه برّي إلى الحوار ليست لكسر أحد أو لفرض إرادة على أحد، بل إنّ كفّة المعارضة راجحة في تلك الدّعوة أكثر من دفّة الثّنائي الوطني وحلفائه، لأنّ نجاح الحوار ليس شرطاً لعقد جلسات متتالية بدورات مفتوحة، والأيّام السّبعة هي الحدّ الزّمنيّ الأقصى، ولو وافق الثّنائي الماروني على الدّعوة لكنّا اليوم نبحث في تسمية رئيس الحكومة».

وتتابع الأوساط نفسها: «الثّنائي الوطني صادق في دعوته ومستعدّ للمخاطرة بجلسات غير مضمونة النّتائج، علماً بأنّ احتمال فوز رئيس من دون حصوله على أيّ صوت شيعي هو احتمال وارد، وقبل الثّنائي بذلك نظريًّا، فلماذا يضيّع الثّنائي الماروني هذه الفرصة؟ وهل يتوقّعون تنازلًا أكبر من ذلك؟!
الجواب جاء على لسان الرئيس بري عندما قال: «ليس لديّ أيّ جديد لأقدّمه» وهذا معناه بأنّ الحدّ الأقصى الممكن من التّنازل كان متوافراً، لكنّ العناد والكيديّة وغياب المشروع والرّؤية لدى القوّات والتّيّار يدفع بالفراغ إلى مزيد من التّمدّد وقد قارب عامه الأوّل، لذلك اعتبر برّي بأنّ «المشكلة لدى الموارنة وفيما بينهم» ويقصد بالطّبع سياسيي الموارنة وعلى رأسهم جعجع وباسيل، وليس صحيحاً بأنّ المشكلة مارونيّة شيعيّة كما حاول بعض الإعلام التّرويج سابقاً.

قياديّ بارز في الثّنائي يقول للّواء: «الوزير السّابق سليمان فرنجيّة أقوى الشّخصيّات المطروحة للرّئاسة استناداً إلى بيان بكركي الشّهير الّذي حدّد أربع شخصيّات تمثّل «الوجدان المسيحي» وإذا انتخب أيّ منها يوافق الباقون، وقد ضمّت يومها: الجنرال ميشال عون، الرئيس الأسبق أمين الجميّل، الدّكتور سمير جعجع والوزير سليمان فرنجيّة، فلماذا هذه الحملة على فرنجيّة؟!
ويتابع، هل المصلحة المسيحيّة، والمارونيّة تحديداً، وصول رئيس من الصّفّ الثّاني أو الثّالث؟ وهل تتحقّق الشّراكة والتّوازن برئيس لا لون ولا طعم له؟!

ويختم بالقول: الحقيقة الّتي لا يريدون قولها هي أنّ الرّئاسة في نفس جعجع وباسيل وكلّ منهما يؤثر استمرار الفراغ على الحلّ، لأنّهما يعلمان بأنّ فرنجيّة لا يساير ولا يتساهل بالحقوق المسيحيّة وليس مستعدّا للمساومة عليها، وهذا ما يخيفهم، فإذا وصل إلى الرّئاسة سيحقّق ما يعجزان عنه، وسيهدّد حضورهما بشكل مباشر، أو على الأقل سيفضح الشّعارات الشّعبويّة الزّائفة الّتي يتلطّيان خلفها بهدف شدّ العصب الطّائفي على حساب الشّراكة الوطنيّة والعيش المشترك». حمى الله لبنان واللّبنانيين من شرور الذّوات الأنويّة!

اترك تعليق