لم تؤدِّ جلسة البنود الأربعة لمجلس الوزراء في 11 أيلول الجاري إلى لَجم سرعة تدفّق مجموعات النازحين السوريين عبر الحدود البقاعية والشمالية. مع ذلك، ما تزال الحكومة عاجزة عن سدّ ثغرة عدم وجود مفاوض رسمي مكلّف من جانبها ببحث الملفّ الأخطر على الكيان اللبناني مع الجهات الرسمية السورية.
بو حبيب “ما بيسترجي يطلع على سوريا”
ما بين جلسة مجلس الوزراء في 11 أيلول التي تحوّلت إلى لقاء تشاوري بسبب فقدان النصاب وجلسة الحكومة بعد ظهر اليوم نفسه التي كانت مخصّصة لبحث موازنة 2024 وصدرت عنها مقرّرات حول النزوح السوري، ظهرت الخفّة الحكومية في التعاطي مع قنبلة النازحين.
أوساط وزير الخارجية لـ “أساس”: “فور عودته إلى لبنان سيقوم بو حبيب بالإعداد لزيارته دمشق. القول إنّ وزير الخارجية يرفض أو لا يجرؤ قد يكون جائِزاً قبل عودة سوريا إلى الجامعة العربية
في الاجتماعين طَرَح الرئيس نجيب ميقاتي حَصر عضوية لجنة النازحين التي ستزور سوريا بوزير الخارجية عبدالله بو حبيب والمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى. حينها انتفض وزير المهجّرين عصام شرف الدين غضباً مُعترِضاً على عدم توسيع الوفد ومسلّماً بأنّ “وزير الخارجية ما بدّو يروح وما بيسترجي يروح”. لكنّ ميقاتي كان حاسِماً بقوله: “بعدني حاكي معه على التلفون. وَعَدني بدّو يطلع ورح يتّصل بالمقداد (وزير الخارجية السوري فيصل المقداد) للتنسيق معه موعد الزيارة”.
انتهت جلسة بعد الظهر بصدور قرار تشكيل الوفد الثلاثي “على أن تُعرض نتائج أعمال اللجنة على مجلس الوزراء خلال مُهلة أقصاها نهاية أيلول الجاري لإجراء المقتضى بشأنها”، لكن حالياً ما يزال وزير الخارجية يقضي إجازة خاصة إلى جانب عائلته في واشنطن التي انتقل إليها بعد مشاركته في أعمال الدورة الـ78 للجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك.
لقاءات نيويورك: نزوح… وسكوت!
في المعلومات أنّ ملفّ النزوح السوري شكّل المادّة الأدسم في جميع اللقاءات التي قام بها بو حبيب على هامش أعمال الجمعية العامّة، بما في ذلك اللقاء الذي جَمَعه بنائب وزير الخارجية السوري بسام صبّاغ، لكن من دون تحديد موعد لزيارة الوفد اللبناني لسوريا.
تقول أوساط وزير الخارجية لـ “أساس”: “فور عودته إلى لبنان سيقوم بو حبيب بالإعداد لزيارته دمشق. القول إنّ وزير الخارجية يرفض أو لا يجرؤ قد يكون جائِزاً قبل عودة سوريا إلى الجامعة العربية وقَبل سلسلة التفاهمات التي تلفح المنطقة واللقاءات المكّوكية للرئيس بشار الأسد، ويجدر أن لا نفاجأ إذا رأينا بو حبيب في طهران أيضاً”.
“الطلعة متل قلّتها!
تشير الأوساط إلى أنّ “المسألة لا تكمن في توقيت الزيارة لكن في المعطيات غير المُشجّعة إطلاقاً التي سمعها ميقاتي وبو حبيب في نيويورك في ظلّ ما يُشبِه الفيتو الدولي على البحث في أزمة النازحين (الذين جاؤوا ضمن موجتَيْ 2011 وموجة النزوح الاقتصادي) وعدم تفهّم لهواجس لبنان وتحذيراته. ووزير الخارجية نفسه يعرف أنّ بشار الأسد لا يريد إرجاع نازح واحد ما دام المجتمع الدولي يقفل حنفية المال والاستثمارات عن النظام السوري وعن المشاركة في إعادة إعمار سوريا. فعلياً، الطلعة متل قلّتها”.
في المعلومات أنّ ملفّ النزوح السوري شكّل المادّة الأدسم في جميع اللقاءات التي قام بها بو حبيب على هامش أعمال الجمعية العامّة، بما في ذلك اللقاء الذي جَمَعه بنائب وزير الخارجية السوري بسام صبّاغ، لكن من دون تحديد موعد لزيارة الوفد اللبناني لسوريا
آلاف النازحين أسبوعيّاً
في السياق نفسه، لم تنفع مقرّرات الحكومة التي استنفرت الأجهزة الأمنية والعسكرية وثماني وزارات عبر سلسلة إجراءات ردعية في حصر بقعة زيت “تسرّب” الهاربين من سوريا إلى لبنان، فيما حذّر الأمن العام في المقابل من “تزايد أعداد المنظّمات والجمعيات التي تُعنى بأوضاع النازحين، وعدد منها لم يستحصل على ترخيص أو علم وخبر يخوّلها ممارسة أيّ نشاط، والبعض الآخر يمارس نشاطات مخالفة لطبيعة نظامها التأسيسي الذي صدر بموجبه الترخيص”.
يوضح مصدر أمني لموقع “أساس”: “على الرغم من الجهد الهائل للجيش في محاولة صدّ الأفواج النازحة يومياً ما تزال تُرصد محاولات إدخال آلاف النازحين أسبوعياً عبر مافيات التهريب الناشطة على المقلبين السوري واللبناني، فيما نسبة توقيف هؤلاء لا تتعدّى 5% بالنظر إلى كثافة الأعداد وابتداع طرق تهريب من خلال “خطط” جديدة ومسارب مُستحدثة تضاف إلى عشرات المعابر غير الشرعية المعروفة لدى الأجهزة الأمنية، ولأنّ الجيش لا يملك فعلاً العديد والإمكانات اللازمة لمنع تدفّق كتلة بشرية بهذا الحجم”.
بعلبك “عاصمة” سوريا!
آخر مشاهد المطاردات التي سُجّلت على الحدود تعرُّض دورية للجيش لحادث صدم ومحاولة دهس في منطقة “القبور البيض” عند الحدود الشمالية من قبل سائق آليّة تقلّ سوريين دخلوا خلسة إلى الأراضي اللبنانية. انتهت المطاردة بمقتل السائق السوري بعد ارتطام الفان بعمود كهرباء، فيما قام الجيش بإعادة من كان على متن الآلية إلى الداخل السوري.
شرقاً، تجاوزت الأمور الخطّ الأحمر مع تسجيل بعلبك-الهرمل أوّل محافظة لبنانية يتجاوز فيها عدد السوريين عدد اللبنانيين المقيمين فيها. وهو أمر مرجّح أن يتكرّر شمالاً بسبب “غزارة” التدفّق البشري للسوريين، فيما يتنامى بشكل مخيف عدد المؤسّسات التجارية التي يديرها سوريون من حاملي بطاقات النزوح ومن لا يملكون أوراقاً ثبوتية.
خضر: لا عدد رسميّاً لـ “النازحين الجدد”
يؤكّد محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر لـ “أساس”: “عدد السوريين في المنطقة يتجاوز بـ 65 ألفاً عدد المقيمين اللبنانيين”، مشيراً إلى “توقيف الجيش اللبناني 25 ألف سوري حتى الآن منذ بداية العام، فيما لا أرقام رسمية لدينا حول العدد الحقيقي الذي دَخَل لبنان، وهذا أمر مقلق جداً”.
محافظ بعلبك-الهرمل الذي التقى المنسّقة الخاصة للأمين العامّ للأمم المتحدة يوانا فرونتسكا خلال زيارتها المنطقة قبل أيام يؤكّد أنّ “النسبة العليا من النازحين سُجّلت في آب المنصرم مع رصد نسبة شبابية عالية جدّاً. وتشكّل المخيّمات Pit stop للقادمين من سوريا الذين يتوزّعون لاحقاً على المناطق اللبنانية”، مشيراً إلى أنّ “السوريين من موجة النزوح القديمة “آكلين السوق” في المناطق الحدودية، ولذلك يضطرّ النازحون الجدد إلى التفتيش عن فرص عمل في مناطق أخرى. فيما لم نعد نسمح منذ فترة طويلة بتشييد أيّ خيمة إضافية”.
إقرأ أيضاً: لودريان العائد: “الخُماسيّة” غاضبة منكم!
3 ملايين نازح عام 2024!!
تكمن الخطورة، حسبما قال خضر، في أنّ “أيّ نازح يحمل الجنسية السورية يستطيع أن يحصل فوراً على مساعدات ثمّ بطاقة نازح من منظمات الأمم المتحدة والجمعيات غير الحكومية (NGO). وعند توقيف هؤلاء تقوم UNHCR بإرسال محامٍ له بهدف إخلاء سبيله. والسوريون “يعلّمون بعضهم” بأنّ الحجّة الكبرى التي تبقيهم في لبنان وتدفع الأمم المتحدة إلى تكريس بقائهم هو هربهم من الخدمة العسكرية الإجبارية”.
وفق المعطيات، العدد الأكبر من المتسلّلين من سوريا يتمّ توقيفه على الحدود أو داخل المخيّمات التي رُصد فيها أخيراً وجود سلاح فردي بشكل كبير.
وفيما تتمنّع الـ UNHCR (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) حتى الآن عن تسليم داتا النازحين للسلطات اللبنانية، تبيّن أنّ الإحصاء الأخير الذي نُشر عن عدد النازحين في لبنان (2,113,761 نازح) يشمل النازحين قبل موجة النزوح الأخيرة التي بدأت منذ نحو تسعة أشهر، وهو ما يعني أنّ عدد النازحين قد يلامس ثلاثة ملايين العام المقبل.