هؤلاء يتربّصون بإيرادات غاز لبنان!

في الوقت الذي تدعو فيه المنظومة السياسية اللبنانيين عموما ومناصريها خصوصاً، للرهان على استخراج الغاز والنفط كباب للحل والانقاذ من الازمة التي نتخبط فيها منذ نحو 4 سنوات (بعيدا عن الاتفاق مع صندوق النقد)، تتناسى هذه المنظومة نتيجة «غباء مالي» أو «خبث مافيوي» أن هناك حاملين أجانب لسندات اليوروبوندز بقيمة اسمية تقدّر بـ 18 مليار دولار، لن يقفوا مكتوفي الايدي اذا لم يتم التفاوض معهم لاعادة جدولة دينهم تمهيداً لتسديدها، ولن يسمحوا بالقفز فوق حقوقهم واستخدام جزء من ايرادات الدولة ومنها عائدات النفط والغاز الموعودة لتقليص فجوة 70 مليار دولار في مصرف لبنان واعادة أموال المودعين. اذ بامكان هؤلاء الدائنين ( كما يؤكد المختصون) رفع دعاوى قانونية تجيّر عائدات النفط والغاز لسداد ديونهم المتوجبة على الدولة اللبنانية.

قبل تفسير المسار القانوني والمالي الملزم الذي على لبنان السير به لتنظيم علاقته مع حاملي سندات اليوروبوندز، لا بد من التذكير أولاً أن اجمالي القيمة الاسمية لسندات اليوروبوندز هي 31.7 مليار دولار، وحتى ايلول 2019 كانت المصارف اللبنانية تملك 14.7 مليار دولار من هذه السندات ومصرف لبنان 5 مليارات دولار. حين حصل الانهيار باعت المصارف سندات بقيمة 5 مليارات تقريبا، والـ9 مليارات الباقية أجبرها البنك المركزي على اخذ مخصصات مقابلها بنسبة %45. اليوم هناك نحو 18 مليار دولار من سندات اليوروبوندز مملوكة من مستثمرين أجانب، ومن المفروض على لبنان اعادة هيكلة هذه المليارات (الديون) وايجاد تسوية مع الدائنين، قبل الحديث عن أي ايرادات محتملة للغاز والنفط تجنباً لفتح باب الدعاوى القضائية من قبل هؤلاء الدائنين في المحاكم الدولية لتحصيل حقوقهم، وهذا أمر ممكن كما يؤكد المختصون.

هناك نوعان من المستثمرين

يشرح الوزير السابق للاستثمار والتكنولوجيا والخبير المصرفي عادل أفيوني لـ»نداء الوطن» أن «هناك نوعين من المستثمرين الاجانب في اليوروبوندز، الاول هو الصناديق الكبرى والمصارف الخاصّة وهي غالباً صناديق تقليدية تتجنّب الدعاوى وتسعى الى الوصول لاعادة هيكلة مقبولة بالتفاوض. واغلب حملة اليوروبوندز الاجانب هم من هذه الصناديق وهي صناديق كبرى»، لافتاً الى أن «هذه الصناديق سجلت خسائرها من جراء انهيار اسعار السندات منذ سنوات وتحمّلت الخسائر وخفّ اهتمامها بلبنان، لكن طبعاً هي لا تزال تسعى الى اعادة الهيكلة، لكن ما تحمله من اليوروبوندز اللبنانية لا يشكل الا جزءاً صغير من اصولها وبالتالي لم يعد لبنان اولوية لديها».

إنتظار إعادة الهيكلة

يضيف: «هذه الصناديق تنتظر من الدولة اللبنانية أن تبادر الى اطلاق اعادة الهيكلة وستضغط للوصول الى حل مقبول، ولكن لا اعتقد نظراً للاسباب التي ذكرتها اعلاه ولطبيعتها أن لديها النية او الوقت او الاهتمام لقيادة دعاوى ضد الدولة اللبنانية ولمحاولة الاستيلاء على اصولها في الوقت الحالي»، مشيراً الى أن «النوع الثاني من المستثمرين (حاملي اليوروبوندز) هو من النوع المشاكس وهي صناديق التحوط hedge funds المتخصصة بالديون المتعثرة، والمتخصصة بشراء هذه الديون والسندات باسعار بخسة عند انهيارها ومن بعدها تقوم بشن حملات قضائية للحصول على افضل اعادة هيكلة ممكنة. وهذا ما يمكنها من تحقيق ارباح باهظة، وهذه الصناديق هي ما يسمى vautours funds اي الصناديق الصقور».

يرى أفيوني أنه «الى الآن لا يبدو ان هذه الصناديق قررت ان هناك فرصة لها في لبنان، اذ لا يبدو انها تمتلك جزءاً مهماً من سندات اليوروبوندز ولم نسمع عن اي حملة او تحرك لها حتى الآن. وهذا ان دل على شيء فهو يدل على ان حتى هذه الصناديق لا تعتقد اليوم ان هناك املاً باعادة هيكلة قريبة، ولا تعتقد ان اصول الدولة حالياً جديرة باهتمامها او بوقتها»، مشيراً الى أن «هذا الانعدام بالثقة حتى من الصناديق المتخصصة بالديون السيادية طبعاً تعكسه اسعار اليوروبوندز في الاسواق العالمية، وهي تتداول حتى اليوم باسعار منخفضة جداً، لكن كل هذه المعادلة ممكن ان تتغير اذا تم اكتشاف غاز، وبصورة عامة اكثر اذا ارتفعت موارد الدولة اللبنانية وقيمة اصولها لاي سبب من الاسباب».

من سخرية القدر

يعتبر أفيوني أن «من سخرية القدر انه اذا تحسن وضع الدولة اللبنانية مالياً، سيفتح هذا التحسن شهية حاملي اليوروبوندز ليطالبوا بحقوقهم وليضغطوا من اجل التفاوض على اعادة هيكلة للديون، وستفتح بالتحديد شهية صناديق التحوط التي ذكرتها اعلاه لتشن حملة على الدولة اللبنانية، بما فيها اللجوء الى القضاء وحجز الاصول والموارد الخارجية. فهذا اختصاصها وهي ستسعى لتحصيل اكبر قيمة ممكنة من اعادة الهيكلة، وعندها سيكون وضع لبنان صعباً ومماثلاً لما شهدته الارجنتين منذ اكثر من عقد، عندما تصدت لها صناديق التحوط واجبرتها على تحسين شروط اعادة الهيكلة».

ويختم: «تقاعس الدولة اللبنانية عن اعادة هيكلة الدين الخارجي منذ اكثر من 3 سنوات، واستهتارها بحملة اليوروبوندز وتجاهلهم أمر خطير، ليس فقط لانه يؤدي الى اغلاق كل أسواق المال العالمية بوجه لبنان وتعذر الاستدانة والتمويل وخنق الاقتصاد، لكن كذلك لانه سيفسح في المجال الى مرحلة لاحقة لصناديق التحوط التي ذكرتها اعلاه للاستفادة من انهيار اسعار السندات وشرائها بأبخس الاثمان، ثم شن حملة على الدولة اللبنانية واجبارها على شروط اعادة هيكلة اصعب».

تفضيل إعادة الهيكلة

يشرح رئيس مجلس إدارة I&C Bank جان رياشي لـ»نداء الوطن» أن حاملي سندات «اليورو بوندز» يفضلون أن يحصل اتفاق بينهم وبين الدولة اللبنانية، مستنداً الى توقعات حول ما يمكن أن تقدمه لهم اعادة هيكلة الدين، وغالبا ما يقبلون بخصم كبير جداً على ديونهم يتراوح بين 65 و75 %، وهناك طرق مختلفة للوصول الى هذه النتيجة، والاكيد أنه يجب أن تحصل اعادة جدولة للديون».

يرى رياشي أن «النقطة الأهم بالنسبة لحاملي السندات هي ماهية الضمانات التي ستقدمها الدولة لايفاء ديونها الجديدة بعد اعادة الجدولة، ومن هذه الضمانات يمكن أن تكون ايرادات الدولة من استخراج الغاز في حال تم اتفاق بين الطرفين من دون خلاف»، مشدداً على أنه «لا يمكن للدولة أن تخصص أموالاً لمعالجة فجوة في مصرف لبنان واعادة الودائع من دون أن تأخذ بالاعتبار حاملي سندات اليوروبوندز، لأنهم (اي حاملو السندات) لن يقبلوا أن يكون هناك تمييز بين المودع اللبناني وبينهم، سواء من خلال اعادة رسملة مصرف لبنان أو من خلال صندوق اعادة الودائع، حيث سيطلبون أن يكون هناك نوع من المساواة مع المودعين اللبنانيين».

خطورة صندوق استرداد الودائع

يضيف: «في حال لم يحصل هذا الامر، وتمّ تخصيص موارد الدولة لصندوق اعادة الودائع، فالاكيد أن لبنان سيجد نفسه أمام معركة مع الدائنين. وهذه المعارك قد تطال استخراج الغاز لمنع الدولة من استخراجه من دون ضمان حقوقهم، ناهيك عن أنهم قد يجدون طريقة للاستيلاء على حصة من موجودات مصرف لبنان أي الذهب بشكل أساسي»، لافتا الى أن «تمتع البنك المركزي باستقلالية قانونية عن الدولة، لن يثنيهم عن ايجاد رابط قانوني بينه وبين الدولة، أي أن يثبتوا عدم استقلاليته عن الدولة وأن يدخلوا بمعركة قانونية ليحجزوا على موجوداته مثل الذهب وودائع المركزي مع المصارف المراسلة، وهذا خطر كبير جداً».

استقلالية مصرف لبنان؟

يوضح رياشي أنه «يمكن لحاملي السندات ايجاد طرق تثبت الارتباط بين الدولة ومصرف لبنان، لأن هذه الاستقلالية باتت مفقودة في المرحلة الاخيرة، وهناك مشكلة أخرى أيضا يجب أخذها بالاعتبار هي أن الدولة اللبنانية حين تعترف ان هناك ديناً بالدولارعليها تجاه البنك المركزي (16 مليارا التي وضعها الحاكم السابق رياض سلامة كدين للمركزي على الدولة من دون اي مستند قانوني)، هذا الامر يمكن أن يدفع الدائنين لرفع دعوى ضد الدولة على اعتبار أنه تم غشّهم،لأنهم حين اكتتبوا بسندات اليوروبوندز، فان الدولة اللبنانية أظهرت في مستنداتها قيمة الدين الخارجي بالدولار من دون ان تصرح عن 16 مليار دولار، وهذه اشكالية كبيرة يجب الانتباه لها».

لا بد من صندوق النقد

ويؤكد أن «الاتفاق مع الدائنين غالباً ما يتم بالتوازي مع توقيع اتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ولن يقبلوا بأي وسيلة أخرى لاعتبارهم تطبيق لبنان لاتفاق الصندوق هو ضمان لتحصيل حقوقهم، وحين يرون أن لا نية لدى حكّام لبنان بالسير باتفاق مع الصندوق وخاصة اذا كانت هناك نية لتجاهل حاملي السندات، فالاكيد انهم سيتحركون ليس فقط في اتجاه حجز عائدات النفط والغاز، بل ايضا يمكنهم ايقاف استخراج النفط، والحجز على موجودات مصرف لبنان اي الذهب والحسابات مع البنوك المراسلة، وهذا خطر يزيد مع الوقت».

ويختم: «برأيي، سياسيو لبنان يتجاهلون الاتفاق مع صندوق النقد، من دون وعي او الاخذ بالحسبان ان هناك مشكلة قانونية كبيرة سيتم رفع قضاياها في نيويورك وستعود بالضرر على كل اللبنانيين. هناك خطر كبير، ولكن مشكلتنا ان حكامنا من دون وعي ويتصرفون بارتجالية مطلقة».

اترك تعليق