بذريعة خطّة الطوارئ، اقترحت وزارة الاتصالات على مجلس الوزراء، فتح الباب للعموم أمام استيراد أجهزة «ستارلينك» للاتصالات استثنائياً لفترة ثلاثة أشهر «قابلة للتمديد»، وذلك تمهيداً للتوصل إلى اتفاق دائم مع الشركة أو أي مشغّل آخر لتأمين خدمة الإنترنت عبر السواتل الصناعية. لكنّ الوزارة لم تشِر إلى ما يترتّب على هذا الاقتراح من أثر مالي على إيرادات الاتصالات، فضلاً عن منح شركة أجنبية حقّ الوصول مباشرة إلى المشتركين.
يستجرّ لبنان الإنترنت عبر كابلين بحريين؛ «قدموس» القادم من قبرص، و«IMEWE» الذي يمتدّ على 13 ألف كيلو متر بين الهند وفرنسا واشترك فيه لبنان في عام 2009. تقع على عاتق هذا الأخير الحمولة الأساسية لتقديم خدمة الإنترنت في لبنان، والكابل الأول يعمل كرديف له، إلا أنّ وزارة الاتصالات تتخوّف من انقطاع الخدمة بسبب قصف أي سنترال أساسي، ما يقطع الخدمة عن مرافق أساسية مثل المستشفيات والوزارات والدفاع المدني والصليب الأحمر وسواها…
هذه هي دواعي البحث عن بديل للطوارئ، لكنّ المفاجأة أن وزارة الاتصالات أضافت أمرين إليها: الأول، يتعلق بوجود أجهزة «ستارلينك » عاملة في لبنان بلا ترخيص، والثاني، أنها حصلت على هبة من منظمة غير حكومية اسمها «P Foundation» لإدخال 150 جهاز «ستارلينك» لمدة 3 أشهر على سبيل الإعارة.
في هذا الإطار عُقد اجتماع في وزارة الاتصالات وأوجيرو بمشاركة ممثّلين عن القوى الأمنية عُرض فيه موضوع الإعارة، حيث جرت محاولة تطمين القوى الأمنية بأن تركيب الأجهزة سيكون على عاتق «أوجيرو» بمراقبة وزارة الاتصالات، إلا أنه بحسب محضر اللقاء، فإن ممثلي القوى الأمنية (تقول المصادر إن فرع المعلومات تحديداً) اقترحوا استبدال «الهبة – الإعارة» بشراء الأجهزة التي تُقدر كلفتها بنحو 100 ألف دولار «لحماية المستخدم النهائي من أي خرق». في المقابل، أصرّ وزير الاتصالات جوني القرم على أن «قبول هذه الهبة المؤقّتة هو لتفعيل إدخال الخدمة وإجراء التجارب، وبالتالي استكمال التواصل مع ستارلينك لتتمكّن الإدارة اللبنانية من اتخاذ القرار المناسب لناحية توقيع اتفاق دائم مع ستارلينك أو أيّ مشغّل آخر لتأمين خدمة الإنترنت عبر السواتل الصناعية
المحضر يشير إلى تناقش بشأن ما نُقل عن موقف القوى الأمنية، بينما يبدو واضحاً أن الوزير لديه هدف تجاري في فتح الباب أمام تشريع إدخال خدمة الإنترنت عبر السواتل الصناعية، ما يطيح بالإيرادات التي تجبيها أوجيرو لمصلحة الوزارة وإيرادات القطاع الخاص أيضاً من دون أن تتّضح كيفية تعويضها من خلال الاتفاق الذي ستعقده الوزارة مع هذه الشركة. عملياً، سيتم استبدال أوجيرو والقطاع الخاص بشركة واحدة ستكون لها الحصّة الكبرى من سوق الإنترنت في لبنان بما ينسف احتكار الدولة لهذه الخدمة بقرار يُتخذ في مجلس الوزراء! فالوزارة نفسها لن تكون قادرة على منافسة «الديناصور» وستصبح كل الاستثمارات الحكومية في هذا القطاع بلا جدوى.
وقد استند القرم إلى هذا التناقض ليطلب من مجلس الوزراء «تكليف وزارة الاتصالات بمتابعة الموضوع مع شركة ستارلينك لاستيراد الأجهزة اللازمة لتزويد لبنان بخدمة الإنترنت»، مشترطاً «موافقة الأجهزة الأمنية من مخابرات الجيش، وفرع المعلومات في قوى الداخلي».
جرت مراسلة الشركة لوقف عمل نحو 850 جهازاً في لبنان. فالإنترنت بواسطة «ستارلينك» خارج عن سيطرة الدولة، إذ إن العلاقة تكون حصرية بين المشترك والمزوّد بالخدمة ويصعب على القوى الأمنية إجراء عمليات الرقابة من دون إذن الشركة المزوّدة. كما أنه لا شيء يضمن أن تقدّم ستارلينك الخدمة أثناء الطوارئ، إذ سبق أن أعلنت الشركة تزويد غزة بهذه الخدمة وتراجعت عن ذلك، بينما أغدقت بالخدمة على أوكرانيا بوجه روسيا، وصارت لاعباً سياسياً غير مؤتمن.
من القمر الصناعي إلى المستخدم مباشرة
يحتاج المشترك في خدمة «ستارلينك» إلى شراء العدّة الأساسية من الشركة، وهي عبارة عن صحن لاقط مع قاعدته، جهاز توزيع (router)، وكابل 25 متراً. ويتطلّب الحصول على الخدمة وضع اللاقط في أي موقع تحت السماء مباشرةً ليتصل بالشبكة عبر واحد من 4368 قمراً صناعياً أطلقتها في مدار الأرض لتأمين إنترنت سريع جداً وبحزم كبيرة. وتراوح كلفة المعدات بين 600 دولار للاشتراك المنزلي و15 ألف دولار للشركات الكبيرة وباشترك شهري للحزم الصغيرة يبدأ بـ120 دولاراً وصولاً إلى 25 ألف دولار.
من هي P Foundation؟
بحسب المراسلات التي اعتمدت عليها وزارة الاتصالات لتطلب من مجلس الوزراء الموافقة على إدخال خدمات «ستارلينك» إلى لبنان، تظهر منظمة غير حكومية مثيرة للريبة باسم «P Foundation». فهذه الأخيرة طلبت في الشهر الماضي من وزير الاتصالات الموافقة على إدخال 151 صحناً لاقطاً خاصاً بخدمات ستارلينك، وتوزيعها على الوزارات والمقارّ الحكومية المدنية والعسكرية، وربطها بقواعد البيانات الخاصة بقوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع والمطار والمرفأ و17 وزارة و29 مستشفى. لكنّ هذه المنظمة التي يقع مقرّها في أميركا، لا عنوان واضحاً لها، ولديها صفحة يتيمة على منصة تويتر تتضمّن 50 متابعاً فقط، وموقع على الإنترنت يتضمّن رسالة تأسيس إنشائية تدّعي «مساعدة الأمم على الوصول إلى شبكة اتصال من دون قيود ومساعدة الصحافة الحرّة».