تراجعت حدّة الإشتباكات العسكرية التي اندلعت في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى على “الإسرائيليين” بين حزب الله و”إسرائيل” بعض الشيء خلال اليومين الماضيين. ولوحظ عدم تكثيف العدو طيرانه الحربي فوق قرى المنطقة الجنوبية، وتخفيف درجة قصفه للبلدات نسبة الى الأسابيع السابقة. فهل يمكن اعتبار هذا الأمر مطمئناً أم مقلقاً؟ وهل تُحضّر “إسرائيل” أمراً ما للبنان؟ علماً بأنّ الخبراء العسكريين يتحدّثون عن انتظار العدو قيام حزب الله بتوسيع دائرة الإشتباكات، من خلال عدم احترام “قواعد الإشتباك” بشكل فاضح” لكي يشنّ حربه الموسّعة على لبنان تحت ذريعته الدائمة “الدفاع عن النفس”.
تقول مصادر سياسية مواكبة لحرب غزّة، وللمواجهات العسكرية الدائرة جنوب لبنان، بأنّ لا أحد يُمكنه معرفة نوايا “إسرائيل” بالنسبة لتوسيع دائرة حربها على لبنان ودول المنطقة أم عدمه، في ظلّ حرب الإستنزاف التي تعيشها، سيما وأنّ الخلاف لا يزال قائماً داخل “حكومة الطوارىء” التي أنشأها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بعد عملية طوفان الأقصى. في الوقت الذي يبحث فيه نتنياهو عن إحراز إنتصار ما يُبقيه على رأس حكومته متى انتهت الحرب، ولا تعتقله أو تُدخله الى السجن، غير أنّه لم يتمكّن من تحقيقه بعد 40 يوماً من بدء حرب غزّة.
ولهذا لا شيء يمنعه من أن يُفكّر بتحقيق مثل هذا الإنتصار، من خلال القيام بضربة قوية مفاجئة على حزب الله في لبنان. غير أنّ تنفيذه خطوة كهذه، قد لا تكون نتائجها محسومة على ما يطمح، إذ ليس لديه ذريعة مقنعة تجعله يقوم بهذه الضربة. علماً بأنّه غالباً ما لا يكترث بمواقف الدول، أو بإدانته وباتهامه بالقيام بجرائم ضدّ الإنسانية. والدليل أنّ الإبادة الجماعية للمدنيين التي يقوم بها في غزّة، لا تزال مغطّاة من قبل المجتمع الدولي. ولم يتوصّل هذا الأخير حتى الآن من اتخاذ أي قرار يدين “إسرائيل” ويدعوها أو يُرغمها على وقف قتل المدنيين في غزّة، في حين أنّها تتذرّع بأنها تريد “القضاء على حماس”، سيما وأنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تجد أنّ وقت وقف إطلاق النار في غزّة لم يحن بعد.
ويجري الحديث الآن عن القيام بهدنة مدّتها ثلاثة أيّام في غزّة، مقابل الإفراج عن 50 رهينة لدى حماس من النساء والأطفال. وإذا بدأت الموافقة على هذه الهدنة الإنسانية وعلى فترات منفصلة، فإنّ ذلك يعني أنّ الذهاب الى طاولة المفاوضات بات على قاب قوسين.
غير أن توسيع الحرب لتطال لبنان فهو أمر آخر، بحسب المصادر نفسها، إذ أنّ لبنان لم يقم بأي عملية عسكرية كبيرة على “إسرائيل” تستوجب الردّ أو الإنتقام بعملية ضخمة، على ما يُفكّر نتنياهو. كما أنّ العودة من الحرب يبدو أصعب من شنّها، على ما يحصل اليوم في غزّة، حيث لا يدري نتنياهو كيف ينزل من على الشجرة. ولهذا عليه التفكير ألف مرّة، والقيام بحساباته الشخصية والعامّة، قبل أن يُقرّر شنّ الحرب على حزب الله في لبنان.
في المقابل، أكّدت المصادر أنّ حزب الله جاهز لأي شيء مباغت قد يقوم به العدو، وقد أعلن الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله في خطابه الثاني بعد عملية طوفان الأقصى بأنّ “العين يجب أن تكون على الميدان، وليس على الكلام”. وهذا يعني بأنّ عين الحزب على الميدان أيضاً، وهو لا ينتظر لا كلام “الإسرائيلي”ولا الاميركي فيما يُعلنه عن تحييد لبنان أو إقحامه في حرب غزّة..
ورأت المصادر عينها بأنّ النصائح الخارجية لا تزال تصل الى نتنياهو لعدم توسيع الجبهة الجنوبية لتشمل كلّ لبنان، وذلك لحماية مصالحها فيه، لا سيما في قطاع النفط والغاز في المياه اللبنانية البحرية. ولهذا تقوم بعض الدول لا سيما السعودية وقطر بمبادرات لوقف الأعمال القتالية بين حماس و”إسرائيل” ، تبدأ بالإلتزام ببعض الهدن الإنسانية، وصولاً الى الذهاب الى طاولة المفاوضات. علماً بانّ هذا الأمر ليس سهلاً، خصوصاً وأنّ مصير “إسرائيل” سيكون على المحك، بعد نكسة طوفان الأقصى التي تعرّضت لها، ولا تدري كيفية الخروج منها.
وأشارت المصادر الى أنّه سيكون من مصلحة العدو وقف الحرب في غزّة، لا سيما بعد أن
استأنف حقل “تمار” النفطي عمله، ولا بدّ من عودة الهدوء والإستقرار الى المنطقة، لاستكمال عمليات التنقيب واستخراج النفط من البلوكات اللبنانية، كما من البلوكات المقابلة. في حين أنّ استمرار التوتّر في المنطقة الحدودية، كما في غزّة يُثني شركات النفط عن استكمال عملها فيها.
من هنا، تأمل أن يكون تخفيف حدّة الإشتباكات العسكرية في المنطقة الجنوبية، مقدّمة لوقفها بشكل نهائي في المرحلة المقبلة، على أن يترافق ذلك مع الموافقة على إقامة الهدن الإنسانية في غزّة شيئاً فشيئاً. وتقول المصادر بأنّ الحرب تسير الى جانب المفاوضات والمبادرات لوقف إطلاق النار، ولكن على هذه الأخيرة أن تكون أسرع للحدّ من قتل المزيد من المدنيين الأبرياء، توصّلاً الى وقف العمليات العسكرية بالكامل، تنفيذاً لقرار أممي يصدر عن مجلس الأمن الدولي.
وبرأي المصادر إنّ الموقف الأميركي لا يدعو اليوم الى وقف إطلاق النار، غير أنّ الإدارة الأميركية أعطت نتنياهو أسبوعين لكي يُنهي الحرب على غزّة، لأن لا فائدة من إطالتها. ومهما جرى خلال هذين الاسبوعين، فإن ّ نتنياهو لن يكون بمنأى عن المحاكمة داخلياً لعدم قدرته على حماية شعبه.. وخارجياً أيضاً، لأنّ “الجرائم ضدّ الإنسانية” و”الإبادة الجماعية” التي ارتكبها جيشه لا يُمكن محوها مهما قام هذا العدو بتضليل الرأي العام العالمي، وستتم محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية.
والمهم اليوم السعي من أجل وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية لمن تبقّى من أهالي شمال غزّة، على ما أضافت المصادر، فضلاً عن إعادة إحياء عمل المستشفيات التي تعمّدت “إسرائيل” قصفها طوال الأسابيع الأخيرة، وقتل المدنيين والجرحى فيها، بحجّة وجود أنفاق لحركة حماس تحتها، من دون أن يتمّ استنكار هذه الجريمة البشعة من قبل المجتمع الدولي.