تواكب روسيا مجريات الوضع في قطاع غزة بكثير من الاهتمام، ساعية الى تحقيق وقف ثابت لإطلاق النار، أبعد من الهدن الإنسانية، ومُعترضة على همجية الحرب الإسرائيلية، وإن تكن علاقتها بحركة حماس مرّت أخيراً في بعض الالتباسات… فما قصتها؟
تضمنت إحدى مراحل صفقة الإفراج عن المحتجزين لدى حركة حماس في غزة الأسير الاسرائيلي الروسي روني كريفوري الذي تم إطلاق سراحه الأحد الماضي، وهو الأمر الذي وضعته موسكو في سياق «بادرة حسن نية» من جانب الحركة، فيما اكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا مواصلة «مساعينا لتحقيق الإفراج السريع عن بقية المواطنين الروس المحتجزين فى القطاع».
أمّا «حماس» فاعتبرت انّ الإفراج عن أحد المحتجزين من الجنسية الروسية أتى «استجابة لجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتقديراً للموقف الروسي الداعم للقضية الفلسطينية».
ويبدو انّ هذه المبادرة كانت ترمي الى احتواء الانزعاج الروسي من تأخّر «حماس» في تحرير المحتجزين الاسرائيليين من حملة الجنسية الروسية، خصوصاً انّ موسكو كانت تفترض انه سيتم إطلاقهم أولاً وفوراً بحكم العلاقة الجيدة التي تربطها بـ»حماس» والسياسة الروسية المتعاطفة والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني وقضيته.
ويكشف المطلعون انّ ما زاد من عتب روسيا او خيبة أملها هو انها كانت السبّاقة للدعوة الى وقف إطلاق النار وانهاء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وهي طرحت مشروع قرار في هذا الصدد على مجلس الأمن الدولي أسقطه الفيتو الأميركي، إضافة إلى انها ترفض بشكل قاطع تصنيف الحركة بأنها منظمة إرهابية كما فعل الأميركيون ومعظم الغرب، بمعزلٍ عن وجود تحفظات لموسكو على بعض التصرفات التي رافقت عملية طوفان الأقصى في المستوطنات الواقعة ضمن غلاف غزة.
وتفيد المعلومات انه عندما زار القيادي في حماس موسى ابو مرزوق موسكو والتقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في بدايات الحرب، افترض الدبلوماسي الروسي انه سيسمع من ضيفه الحمساوي أنباء سارّة وسيتبلّغ منه الاستعداد للافراج عن الأسرى الاسرائيليين الذين يحملون الجنسية الروسية، لكن ذلك لم يحصل وخرجَ بوغدانوف من الاجتماع غير راض بتاتاً.
وخلال هذا الاجتماع الذي حضره ضباط من المخابرات الروسية لارتباطه بملف المحتجزين، نصح بوغدانوف ممثل «حماس» بتحرير الأسرى المدنيين بلا تأخير «لأنّ بقاءهم لديكم مُسيء لكم ولقضيتكم»، واستطراداً طلبَ بوغدانوف الإفراج الفوري عن المحتجزين الروس.
ووفق مصادر دبلوماسية في موسكو فإنّ بو مرزوق لم يُبد تجاوباً فورياً مع الطلب، بل أوضح انه سيراجع قيادة «حماس» وسيتشاور معها في الأمر، وهذا ما لم يلق ارتياحاً لدى بوغدانوف الذي كان يتوقع رداً مغايراً ربطاً بمواقف روسيا الداعمة للفلسطينيين وحقوقهم.
وتشير المصادر الدبلوماسية الى انّ ما فاقمَ «زعل» موسكو لاحقاً هو الانطباع الذي تكوّن لديها بأنّ «حماس» لم تُبد الاهتمام المنتظر بأن يكون لروسيا دور في رعاية المفاوضات حول الهدنة العسكرية وصفقة التبادل، لتحقيق توازن مع الطرف الأميركي، او أقله من باب العرفان بالجميل لها وتقدير وقفتها الى جانب القضية الفلسطينية وأهل غزة.
من هنا، فإنّ الإفراج عن الأسير الاسرائيلي – الروسي يعكس حرص حركة حماس على تطويق الامتعاض الروسي ومعالجته، خصوصاً انها تحتاج إلى حماية علاقتها مع دولة عظمى كروسيا في مواجهة الخصم الاميركي المشترك، بينما تردد انّ وفداً قيادياً من الحركة زار موسكو مجدداً الاسبوع الماضي لاستكمال البحث في تطورات الوضع في غزة.