على وقع الزيارة الرابعة التي أجراها المبعوث الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، تحدث متغيرات عديدة، تتقدم فيها بعض الأولويات لتوازي أولوية انتخاب رئيس للجمهورية. الانتخابات الرئاسية هي المهمة الأساسية التي كلف لودريان بمتابعتها وتسهيل إنجازها. لكن اليوم أصبح لديه أكثر من ملف. إذ تحدّث مع المسؤولين اللبنانيين بنقاط عديدة، أبرزها ضمان الاستقرار في الجنوب وتطبيق القرار 1701، والتمديد لقائد الجيش جوزيف عون، بالإضافة إلى انتخاب الرئيس.
المرشح الثالث
بشكل أو بآخر، أصبحت هذه العناوين الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض. فالتحفيز الدولي في سبيل التمديد لقائد الجيش، لا بد أن يحصل في ظل الأوضاع الأمنية والعسكرية غير المستقرة في الجنوب. ولا يمكن ترك المؤسسة العسكرية بلا قيادة. كذلك يمكن للتمديد لقائد الجيش أن يكون محفزاً في سبيل الوصول إلى توافق بين الأفرقاء لانتخاب رئيس للجمهورية.
كذلك، لا يمكن أيضاً إغفال معادلة اساسية ينظر إليها اللبنانيون، وهي إمكانية انعكاس معركة غزة والمطالبة الدولية بالحفاظ على الاستقرار والهدوء في الجنوب على الانتخابات الرئاسية، لأن ذلك سيكون عبارة عن تفاوض بشكل أو بآخر مع حزب الله.
في المقابل، بعض القوى الداخلية، تعارض مبدأ التمديد لقائد الجيش على قاعدة أنه سيسهم في تأخير إنجاز الانتخابات الرئاسية، طالما أن هناك قوى محلية تؤيد وصول قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية. وبالتالي، فالتمديد له سيسهم في تمديد الفراغ بالنسبة إلى هؤلاء، بانتظار أن تتغير الظروف لصالح وصوله.
ما بين هاتين المعادلتين تسير الدول الخمس المعنية بلبنان في حقل ألغام. في هذا السياق، يقول ديبلوماسي غربي معني بهذه التحركات، إن هناك التماساً ديبلوماسياً لبعض الليونة في مواقف الأفرقاء اللبنانيين حول ضرورة انتخاب رئيس توافقي للجمهورية، والبحث عن خيار ثالث، من دون الدخول في الأسماء وتفاصيلها.
مخاطر تدميرية
في ضوء هذا التعليق الديبلوماسي عن الليونة اللبنانية، هناك في الداخل من يسجل جملة اعتراضية، بالقول إن مواقف اللبنانيين لم تتغير حتى الآن، إنما التغير والليونة طرآ على موقف باريس. هذا الموقف الذي تدرج من تأييد انتخاب سليمان فرنجية، إلى الانفتاح على خيارات أخرى، وصولاً إلى الاقتناع بضرورة الذهاب إلى خيار ثالث، أي تجاوز مرشحي جلسة 14 حزيران، سليمان فرنجية وجهاد أزعور. إلا أن المعطيات الديبلوماسية تؤكد وجود تغيير لبناني وليونة وواقعية، لكنها تحتاج إلى وقت كي تنضج ظروفها والانتقال إلى الخيار الثالث.
ويضيف الديبلوماسي: “المهمة التي تتفق عليها الدول الخمس بسيطة، وهي تقديم تسهيلات للخروج من الأزمة المؤسساتية. وهي لا تعني أن نحل مكان المسؤولين اللبنانيين، دورنا يقتضي وضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم. فهذا البلد بلغ سن الرشد، ومهمتنا تؤكد وجوب تحمل المسؤولية لدى المسؤولين، بينما الصورة التي يعكسها الوضع في لبنان، لا تشير إلى السيادة. إذ عندما يكون هناك فراغ رئاسي، ولا وجود لحكومة، وهناك تعطيل مجلس النواب، لا يمكننا أن نقول أن هناك سيادة. الفكرة تقضي بالخروج من المأزق. فهناك مأزق سياسي واجتماعي واقتصادي، وانهيار تام منذ سنوات بسبب غياب الإصلاحات. الكل يعرف ما هي الإصلاحات التي يجب القيام بها، ولكن لا أحد يقوم بذلك”.
قائد الجيش وباسيل
ويقول الديبلوماسي: “نلاحظ عدد اللبنانيين الذين يغادرون البلد، فيصبح فارغاً ويخسر محتواه. ولا يزال المأزق مستمراً مع التوتر الأمني انطلاقاً من تطورات غزة، وما سيكون لذلك من مخاطر تدميرية يمكن أن تنجم عن الجبهة الجنوبية. والطامة الكبرى أنه في خضم هذه الأزمة، والمخاطر العسكرية والأمنية التي تحدق بالبلد، هناك من يطرح فكرة لتعيين قائد جيش جديد”. ويتابع الديبلوماسي: “في ظل تعطيل الرئاسة والحكومة والبرلمان، هناك من يذهب ليقول أنه سيتخلى عن قائد الجيش. هناك حالة ذهول لدى المجتمع الدولي من هذه الطروحات. يجب تجاوز المصالح الفردية، كي يتم الأخذ بالاعتبار مصلحة البلد”.
يعلق المصدر الديبلوماسي على موقف التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل من قيادة الجيش، معتبراً أن القوى الدولية تعلم أن باسيل هو من ينظم حملة معارضة التمديد لقائد الجيش، ويشير إلى الخلاف الكبير الذي حصل بين المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان وبين باسيل حول هذا الملف. إذ انتهى اللقاء بعد دقائق قليلة ولم يتم استكماله. وهذه يجب أن تكون رسالة واضحة، خصوصاً أن المسألة لا تتعلق بالأشخاص بل بالمنصب وأهميته.
الرسائل الثلاث
ثلاث رسائل دولية تم توجيهها إلى لبنان، أولها ضبط النفس في الجنوب. والرسائل نفسها يتم نقلها لإسرائيل في ضرورة منع التصعيد. يعبر المسؤولون الدوليون عن أن هناك وعياً أكثر حول الحالة الطارئة لدى اللبنانيين، وهم يعلمون أنهم سيكونون مسؤولين أمام التاريخ في حال استدعاء الحرب إلى لبنان، أو تطوير المعارك إلى مواجهة كبيرة. ثانيها، تحمل المسؤولية بما يتعلق بقيادة الجيش. فغير مفهوم كيف لا يتم التمديد لفترة محددة لقائد الجيش في ظل الوضع القائم. وبالتالي، يجب بقاء قائد الجيش في منصبه وتمديد ولايته وهذا حصل في السابق. ولا بد من التمديد له ريثما يتم حل الأزمة الرئاسية، لأن ذلك يرتبط بأمن لبنان. أما ثالثها، فهي البحث بكيفية تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية في ظل الأزمة القائمة. وهناك حاجة وضرورة لانتخاب رئيس. وهذا المسعى الذي تتوافق عليه اللجنة الخماسية، مع التأكيد بأن هناك توافقاً تاماً بين أعضائها، وخصوصاً مع السعودية والولايات المتحدة الاميركية، ولا وجود لأي ثغرات بين اعضاء اللجنة الخماسية. ولا بد من التوصل الى نتيجة.
الحالة الطارئة
في هذا السياق، يبرز تقاطع للمواقف لدى الدول المعنية، على أن المرشحين السابقين غير قادرين على جمع الأكثرية للوصول إلى الرئاسة. هذا مع تأكيد أن استراتيجية التعب لدى الآخر لن تنجح. وعليه، يجب إيجاد خيار ثالث لأنه لا يمكن انتخاب الرئيس من دون إيجاد توافق. ويؤكد المصدر أنه تم نقل رسالة واضحة لكل المسؤولين حول ضرورة الذهاب إلى الخيار الثالث، كما الدعوة إلى جلسة نيابية للوصول إلى جلسة اقتراع يتم فيها انتخاب الرئيس. لم تنته المهمة حتى الآن، والمساعي ستستكمل.
بنتيجة الاتصالات الدولية مع اللبنانيين، هناك من يشير إلى أن هناك وعياً حول الحالة الطارئة التي يمر بها البلد، وكان هناك أفكار لدى البعض حول تأجيل الاستحقاق ريثما ينتهي الوضع في غزة. ولكن هذا الأمر لم يعد مطروحاً، خصوصاً في ضوء تأييد الأطراف اللبنانية للذهاب إلى الخيار الثالث. يرفض الديبلوماسيون الدخول في لعبة الأسماء. وهناك من يستشعر أن الأمور تنضج، وهناك بعض التغير في المواقف والليونة. وما يجري في غزة يمكن أن يعزز فرص التوافق.
والسؤال الذي يطرح هو كيف سيتمثل لبنان في أي مفاوضات دولية -إقليمية لحل الأزمة في المنطقة. وعلى اللبنانيين وضع حد للانهيار القائم. أما فيما يتعلق بالقرار 1701، فتؤكد المعلومات أن الدول المعنية متمسكة به، وبالتالي يتم بذل جهود لتطبيقه فعلياً. والآن هي الفرصة المناسبة لتطبيقه.