تضج الساحة اللبنانية بالمخاوف من تراكم الملفات على اختلافها دون بتّها في ظل استمرار مسلسل الانقسامات الداخلية، فيما تبقى جبهة الجنوب والتحذيرات الدولية من مغبة زج لبنان بالحرب الشغل الشاغل، معطوفة على ما يمكن أن تصل إليه الأوضاع في الأيام المقبلة، من دون إغفال حركة الموفدين العرب والغربيين، فعلى الرغم من عدم حصول أي خرق في الملف الرئاسي وسواه، يعوّل على هذا الحراك باعتبار أنه لم يسبق تاريخياً أن انتُخب رئيس للجمهورية إلا عبر تسوية دولية إقليمية.
وبناءً على ذلك فالمؤشرات بفعل الاتصالات الجارية على قدم وساق، تشي بحركة مرتقبة وخصوصاً من قبل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إذ ثمة أجواء بأنه سيعود إلى بيروت بعد عطلة الأعياد وقد يعرج على المملكة العربية السعودية للقاء المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا الذي له باع طويل في الملف اللبناني ومن الذين يواكبونه ويتابعونه في إطار التواصل والتنسيق السعودي المشترك، وسبق للودريان عشيّة زيارته الأخيرة للعاصمة اللبنانية أن التقى في الرياض بالعلولا، وثمة معطيات تؤكد أنه في خضم اشتعال حرب غزة وجبهة الجنوب، فالاستحقاق الرئاسي ما زال محور اهتمام دولي وعربي وسعودي تحديداً من زاوية انتخاب الرئيس المسيحي الماروني العربي دون طرح أي اسم بل مواصفات ومقاربات باتت واضحة مرفقة بعدم وضع فيتو على أي مرشح، وهذا ما يؤكده مصدر ديبلوماسي سعودي في بيروت ويشير إلى أن المملكة لن تتخلى عن لبنان وما يهمها أمنه واستقراره، داعية إلى انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد وتشكيل حكومة موثوقة والشروع في الإصلاحات البنيوية المالية والاقتصادية لخلاص لبنان من أزماته ومعاناته.
في السياق، تشير مصادر سياسية عليمة الى أن مؤتمر دول مجلس التعاون الخليجي الذي عُقد الأسبوع المنصرم في الدوحة تميّز بإدراج بند لافت حول الوضع اللبناني من زاوية تحييده عن حرب غزة وعدم زجه في أتونها وضرورة انتخاب رئيس وتشكيل حكومة والدخول في حوار ومؤتمر وطني وعدم تدخل أي طرف إقليمي أو حزب بشؤونه وتجاه أي دولة عربية، وهذه العناوين سبق للقمم العربية والإسلامية والخليجية والدولية وسائر اللقاءات التي التأمت في السعودية، أن تطرقت إليها في ظل معلومات موثوقة بأن الملف اللبناني كان حاضراً خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران، وثمة معلومات من مصادر ديبلوماسية روسية مفادها أن المسؤولين الروس أكدوا الثوابت حيال الوضع في لبنان من خلال هواجسهم وقلقهم لما يجري في هذا البلد من انقسام سياسي أو انزلاقه إلى حرب شاملة، وذلك عبر دعوتهم المسؤولين فيه خلال اتصالات أجراها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع بعض القيادات في بيروت ومنها بعيداً عن الإعلام ومؤدّاها ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية والخروج من حالة التباعد والانقسام بين المكونات السياسية، وبالتالي موسكو بفعل صداقاتها وعلاقاتها مع الرياض وطهران، قادرة على تدوير الزوايا لمساعدة هذا البلد ولا سيما أن اللقاء الأخير بين بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان الأبرز والأهم في جولته في المنطقة إذ وضعت خريطة طريق تناولت حرب غزة والوضع العربي عموماً وعلى المستوى الدولي، وربطاً بهذه الأجواء فإنها تسهم في إمكانية حدوث خرق في الستاتيكو القائم على الصعيد اللبناني رئاسياً ومن ثم تحييده عن حرب غزة الأمر الذي بُحث بين الرئيسين الروسي والإيراني، وإن كان دور موسكو مغايراً لواشنطن وباريس لأن الأميركيين والفرنسيين يمسكون بالملف المحلي بالتماهي عبر اللجنة الخماسية، لكن تبقى الديبلوماسية الروسية قادرة على المساعدة من موقعها في المنطقة وعلى وجه الخصوص من سوريا إلى إيران ودول أخرى.
ويبقى أخيراً، أن المعلومات التي يجري تناقلها في المجالس السياسية وما يُسمّى عبر تقاطعات غربية فالمساعي الجارية اليوم على قدم وساق، تصب في إطار تطبيق القرار 1701 ومواصلة سياسة نقل التحذيرات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية على وجه الخصوص بما معناه أن تل أبيب لن ترحم لبنان إن لم يطبق هذا القرار بمعزل عن سياستها العدوانية وحرب الإبادة التي تخوضها في غزة وانتهاكاتها اليومية في الجنوب، لذا لبنان على صفيح ساخن انطلاقاً من استحقاقاته الدستورية الرئاسية إلى التمديد أو عدمه لقائد الجيش، ومن ثم القلق الذي يحيط به من إمكانية زجه في حرب لا أفق لها، وفي المقابل لن تتوقف حركة الموفدين الدوليين عن نقل الرسائل وإيجاد المخرج لفصله عن حرب غزة والنتيجة أن كل الأمور واردة في المرحلة الراهنة.