يبدو واضحاً أن الباب الذي فتحه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله حول الفرصة التاريخية التي تتاح للبنان لتحرير أراضيه المحتلة من نقطة b1 الى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، يتناغم مع المسار الأميركي في المنطقة وتجاه لبنان والذي يريد العمل على تجنب الحرب والتصعيد ويركز على مسألة المفاوضات. في هذه الحسابات، كل طرف لديه وجهة نظره. فبالنسبة إلى حزب الله اختصرها نصر الله بوضوح عندما قال إن قوة الردع التي لدى الحزب منعت الإسرائيليين من شن حرب على لبنان ودفعت الأميركيين للعمل في سبيل منع التصعيد، هي نفسها القوة التي فرضت شروطها في التفاوض لتحرير الأراضي المحتلة وانسحاب الإسرائيليين منها، والتي سيطلق عليها الحزب إسم التحرير الثاني أو التحرير النهائي والكامل.
أما بالنسبة إلى مصير سلاح الحزب، فيبقى خارج النقاش بعد الوصول إلى مسألة الترسيم، لأن السلاح ذات طبيعة دفاعية وردعية وستكون وظيفته حماية لبنان وثرواته في المستقبل.
عملياً، الإقتراح الأميركي أصبح معروفاً، ويتصل بتسوية النقاط الـ 13، فيما قد يبقى الجدل قائماً حول نقطة الـ b1 التي لم تحسم في عملية الترسيم البحري، كما أن مسألة مزارع شبعا ستكون بحاجة الى وقت أطول لمعالجتها نظراً لصعوبات إسرائيلية وبسبب التشابك مع سوريا. ما يرافق هذا الإقتراح هو إعادة عمل شركات التنقيب في البلوك رقم 9 والبلوكين 8 و10. هنا لا بد من الذهاب الى وجهة النظر الأميركية، التي تعتبر أنها بالديبلوماسية قادرة على تحقيق هذه الإنجازات، والتي يريد هوكشتاين أن ينسبها لنفسه، كما أن واشنطن تريد تجنب الحرب الواسعة بين إسرائيل وحزب الله. إحدى الأفكار الأميركية تتركز على مسألة أن انسحاب اسرائيل من الأراضي اللبنانية سينتزع من حزب الله أي ذريعة للإحتفاظ بسلاحه. وبالتالي سيبقى في المخازن من دون استعماله.
اللافت أنه في هذه المعادلة، يبرز التفاوض بين الأميركيين وحزب الله، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى تبادل الرسائل عبر وسطاء. بينما تبدو اسرائيل غائبة عن المشهد، إذ تتركز تصريحات المسؤولين الإسرائيليين على الحاجة الى تحقيق الأمن والإستقرار على الحدود مع لبنان إما بالديبلوماسية أو بالحرب.
جزء واسع في اسرائيل لا يريد الحرب وكذلك الولايات المتحدة لا تريدها. ولكن السجالات الداخلية تتوسع أكثر وتزداد الخلافات والانشقاقات على خلفية الموافقة على المقترح الأميركي أو شروط لبنان للترسيم البري، مما يعتبره بعضهم تنازلاً كاملاً من قبل اسرائيل وهذا سيعني هزيمتها سياسياً.
يدور كل هذا الكلام في حين لا يمكن الجزم بالتوجه الإسرائيلي، وإذا كانت تل أبيب ستكون مستعدة للوصول إلى هذا الإتفاق، أم أن فيها رأياً يصر فعلاً على الذهاب إلى حرب وفرض الأمر الواقع على الجميع. بالنسبة إلى مصادر ديبلوماسية فإن حكومة نتنياهو لن تكون قادرة على إبرام مثل هذه الإتفاقات، ولا بد من الذهاب الى تشكيل حكومة جديدة.
أما وجهة النظر المقابلة فتعتبر أنه يمكن لحكومة نتنياهو أن تبرم الإتفاق في حال ضغطت واشنطن وفي حال تم تجنّب الحرب، وبعدها يتم تحميلها مسؤولية كل ما جرى سواءً التنازل لصالح لبنان أو انهيار منظومة الردع في عملية طوفان الأقصى. سيكون الموقف الإسرائيلي في غاية الحرج، والإحراج غالباً ما يؤدي في مثل هذه الحالات إلى الجنون، لا سيما أن الإسرائيليين يعملون على توجيه ضربات كثيرة للحزب والإيرانيين من شأنها الإستفزاز لاستدراجهم إلى حرب.
في مقابل الجنون الإسرائيلي، هناك عقلانية لامتناهية يتصرف وفقها حزب الله والإيرانيون. فهم لا يريدون الإنجرار إلى حرب، وهذا يظهر حجم التحولات على مستوى المنطقة، بما فيها تحولات على الصعيد الإيراني من خلال اتباع سياسة تصفير المشاكل، ترتبط بتغيرات إيرانية داخلية تتصل بالأوضاع السياسية والإقتصادية بالإضافة إلى البحث في مصير مستقبل القيادة الإيرانية. مصلحة ايران في اعتماد العقلانية أو سياسة تصفير المشاكل هدفها المحافظة على المكتسبات الإيرانية في المنطقة، لأن اي حرب كبرى ستندلع ستؤدي إلى خسارة إيران وحلفائها لكل هذه المكتسبات.
لبنانياً، أي تفاوض حول ترسيم الحدود البرية لا بد له أن يكون مرتبطاً بالمسارات السياسية الأخرى، خصوصاً بسياق انتخاب رئيس للجمهورية والذي ستفرض الظروف أن يكون منسجماً مع المفاوضات لا أن يكون مرشح مواجهة. أما بالنسبة إلى الحزب، فإن المكتسبات التي سيكون قد حققها بتلك المفاوضات، لا بد أن تقابلها مكتسبات أخرى على المستوى السياسي في الداخل.