أكثر من 10 سنوات مضت على «القبض» على عرسال والاستيلاء على أراضيها واحتلال جرودها، واحتجاز العسكريين الذين كانوا يسهرون على أمنها وإعدامهم بدمٍ بارد أمام الكاميرات، قبل أن يصدر أخيراً الحكم في أربعة ملفات فقط، على أول من شرّع أبواب البلدة أمام التنظيمات الإرهابيّة، الشيخ مصطفى الحجيري الملقّب بـ«أبو طاقية» الموقوف منذ عام 2017، بعد أن ثبت انتماؤه إلى «جبهة النصرة» الإرهابية وتنفيذه أعمالاً إرهابيّة لمصلحتها ومشاركته في خطف عسكريين أقدم الإرهابيون على إعدام بعضهم.ورغم طول مدّة توقيفه، إلا أنّ الحُكم بحق «أبو طاقية» لم يصدر إلا نهاية العام الماضي، مع حكمت المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد خليل جابر، نهاية الشهر الماضي، عليه في 4 ملفّات يُلاحق بها، اثنان منها بالأشغال الشاقّة المؤبّدة، وواحد بالحبس 15 سنة مع تجريده من حقوقه المدنيّة، ورابع لسبق المُلاحقة، وذلك بجرم الانتماء إلى تنظيمات إرهابيّة وشنّ هجمات على مجموعات للجيش ودورياته ومراكزه وإحراقها، ما أدّى إلى استشهاد عسكريين وإصابة آخرين، إضافة إلى المشاركة في معارك عرسال التي أدّت إلى استشهاد عسكريين ومدنيين وخطف آخرين بالتعاون مع «النصرة»، وارتكاب الجنايات على الناس بواسطة المتفجّرات والصواريخ والأسلحة. كذلك حُكم على نجله عُبادة بالجرم الأخير بالأشغال الشاقة لمدّة 7 سنوات، وتمّ إرجاء 5 ملفّات أخرى للمرافعة وإصدار الأحكام إلى تشرين الأوّل المقبل.
الملفات الأربعة التي حوكم بها «أبو طاقية» زخرت بالاتّهامات التي حاول إنكارها مدّعياً بأن مُساعدته لـ«النصرة» كانت بـ«دافعٍ إنساني»، متراجعاً عن اعترافاته السابقة بالانتماء إلى التنظيم الإرهابي.
تلقى الشيخ علومه الدينية في أزهر لبنان في بيروت قبل أن يُسافر إلى باكستان عام 1990 لمتابعة تحصيله العلمي، وتنقّل بعد عودته إلى لبنان بين بيروت وصيدا، قبل أن يستقر عام 2006 في مسقط رأسه عرسال، حيث شيّد مبنى ضمّ مسجداً ومركزاً لتحفيظ القرآن ومستشفىً ميدانياً.
خلال استجوابه، أنكر الحجيري أي علاقة له بالهجوم على نقطة تفتيش للجيش في أيار 2013، نافياً ما جاء في إفادات موقوفين في الملف نفسه عن قيامه بالدعوة عبر مكبّرات الصوت للمشاركة في القتال ضد الجيش. إلا أن «أبو طاقية» لم ينكر قُربه من جبهة «النصرة» وعلاقته بأميرها «أبو مالك التلي»، وقال في متن إفادته الاستنطاقية: «كنت معجباً بشخصيّة
أبو مالك، فيما كان هو معجباً بالفكر الذي أحمله وبالخطب النارية التي كنتُ أُلقيها، وكان يُريد شخصاً من عرسال قريباً منه». وأكّد أنّ «كلمتي كانت مسموعة لدى النصرة وتحديداً لدى التلي». وأشار إلى مشاركته مرات عدة في تحرير مخطوفين مدنيين لبنانيين اعتقلتهم «النصرة»، ما وطّد العلاقة بينهما قبل أن يعيّنه التنظيم الإرهابي «أميراً شرعياً» في عرسال، مشيراً إلى أنه أنشأ مع بعض المشايخ الملتحقين بـ«النصرة» مكتباً في وادي عطا في عرسال، أشبه بمحكمة شرعيّة يختص بمشاكل الزواج والطلاق وإصدار الفتاوى الشرعيّة.
ورغم إقراره بالعلاقة الوطيدة مع «النصرة» حتى اعتُبر بأنّه أشبه بـ«الرجل الثاني» فيها، إلا أنّ «أبو طاقية» كان دائماً ما يُنهي الاستجواب معه بالإصرار على أنّه لم ينتمِ إلى صفوفها، بل كان يؤيد «أفكارها» فقط! ما يُناقض إفادات الموقوفين في الملف نفسه، وعلى رأسهم ابنه براء الذي أكّد أن والده انتمى إلى «النصرة» وطلب منه ومن شقيقه أيضاً الالتحاق بها، معدّداً أسماء عناصر المجموعة التابعة لوالده، والتي شاركت في القتال في سوريا وفي الهجوم على مراكز الجيش في عرسال.
غير أن «أبو طاقية» زعم أنّ المجموعة التي ضمّت بعض أقاربه كان هدفها حراسة المبنى الذي يقع فيه المسجد والمستشفى الميداني، وكان يتلقّى باسمها تبرعات بعشرات آلاف الدولارات شهرياً من جهات سورية وعربية. كما أقرّ بأنّه كان على علم بمخطّط التنظيمات الإرهابية لاجتياح عدد من القرى اللبنانية.
وعن المعركة الثانية في عرسال، في آب 2014، واختطاف 21 عسكرياً، أقرّ «أبو طاقية» بأنّه شارك في خطف العسكريين ونقلهم إلى منزله ثم إلى المسجد في الطبقة الثانية من المبنى نفسه، قبل نقلهم إلى جرود عرسال، بعدما أقنعه التلي بذلك، مدّعياً بأنه كان يريد إبقاءهم في منزله والتفاوض عليهم لتسوية وضعه القانوني. كذلك اعترف بأن قرار الهجوم على مركز للجيش في مهنيّة عرسال لقتل عسكريين حصل بعلمه وحضوره، وأنه علم بإعدام العسكريين علي البزال ومحمّد حمية بعد إخطاره بذلك من قبل قادة «النصرة»، وزعم أنه حاول إقناع التلي بعدم إعدام البزال، من دون أن يفلح في ذلك، فيما لم يتدخّل في شأن حمية.
إفادة نجل الحجيري، براء، كانت الأهم لما تضمّنته من معلومات تفصيلية عن ضلوع والده في العمل الإرهابي وانخراطه إلى جانب «النصرة» ونقله سيارات لمصلحة التنظيم الإرهابي. وقال إنّ والده أصدر «فتوى شرعية تعتبر قتل الشيعة واجباً وحلالاً»، وأنه مسؤول عن تفجير انتحاري في بلدة النبي عثمان المجاورة (آذار 2014). وهو ما كرّره أيضاً شقيقه عُبادة في إفادته. وأكّد أنّ والده كان يُرسل السيارات المفخّخة إلى عناصر «النصرة» ويؤمّن الانتحاريين الذين ينفذون العمليات الانتحارية، ومنها التفجير الانتحاري في النبي عثمان وآخر في الهرمل (كانون الثاني 2014)، وسيارة كان من المقرر تفجيرها في الضاحية الجنوبية، كما نقل عن والده أن الانتحاري الذي نفّذ الانفجار المزدوج الذي استهدف المستشارية الإيرانية الثقافية (تشرين الثاني 2013) كان صديقه، مشيراً إلى أنّ «أبو طاقية» كان يؤمّن البطاقات المزوّرة للانتحاريين.
كما تحدّث عن علاقة والده بأمير «كتائب عبدالله عزام» السعودي ماجد الماجد، وأنه استضاف الأخير وأمّن له هويّة سورية مزوّرة، قبل أن ينقله إلى أحد المستشفيات في سيارة إسعاف. وشرح كيف كان شقيقه عبادة يؤمّن المتفجرات لصالح أبو عزّام وكان قتيبة الحجيري يتولى نقلها إلى الداخل السوري.
نجل الحجيري: والدي مسؤول عن تفجيرَي النبي عثمان والهرمل
إلا أن «أبو طاقية» نفى إفادة نجله وأكّد أنّه لم يُنسّق أي عملية تفخيخ ولم يعمل على إرسال انتحاريين إلى بيروت أو أي منطقة أُخرى.
النجل الآخر للحجيري، عُبادة، قال إنه منذ أن اقتنع والده بأفكار «النصرة»، التحق هو أيضاً بالجبهة، وتولى مع والده تأمين المواد الغذائية واللوجستية والسيارات لقادة التنظيم، لكنه نفى أي علاقة له بالسيارات المفخّخة. كما أنكر أن يكون شارك ووالده في إطلاق النّار على حاجز الجيش في وادي حميّد، في معركة عرسال الأولى في وادي الرعيان عام 2013، رغم توجّههما متسلّحين مع بعض أبناء المنطقة إلى مكان قتل خالد حميّد، لافتاً إلى أنّ مجموعة يقودها السوري مشهور الوزير الملقّب بـ«سيمو» هي من نفّذت الهجوم، معدّداً أسماء كلّ الذين شاركوا في قتل العسكريين من سوريين ولبنانيين، مؤكّداً ضلوعه في خطف أحد الصحافيين الدنماركيين مقابل فدية مالية. وأشار إلى أن عمليات الخطف الأخرى التي حصلت داخل عرسال نفّذها المسؤول الأمني لـ«النصرة» حسام هويشان. وأكّد أن السوري «أبو عبادة الشامي» هو من قتل الضابط نور الدين الجمل في الهجوم على مهنية عرسال في آب 2014، ثم فجّر نفسه في مداهمة للجيش في مخيم النور في عرسال، وأن التونسي «أبو عائشة اللقيس» (يده مبتورة) هو من أعدم العسكري البزال، وأن المدعو «ميماتي» قتل المؤهل الأول في فرع «المعلومات» في قوى الأمن الداخلي زاهر عز الدين.