سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، والثاني اغتيال القيادي في قوات النخبة (الرضوان) لدى الحزب وسام الطويل.
اغتيالات طرحت العديد من علامات الاستفهام حول الجهوزية الأمنية عند الحزب وحركة حماس في مواجهة عسكرية صعبة مع العدوّ الإسرائيلي، وما مدى صحّة ما يتداول عن خروقات أمنيّة لإسرائيل داخل الحزب والبيئة التي تحيطه، وهو أمر كان “أساس” أوّل من أشار إليه في تقرير تحت عنوان “الحزب في مصيدة الجواسيس” نُشر في 31 تشرين الأول، أي بعد 14 يوماً من اشتعال جبهة الجنوب.
أسئلة تسعى “أساس” في تقرير بحلقتين إلى تقديم أجوبة عنها انطلاقاً من التحقيقات الجارية حول اغتيال العاروري مروراً بقراءات علميّة عسكرية حول ارتفاع عدد القتلى في صفوف الحزب.
هل أخطأت حماس؟
القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان وفي حوار صحافي سُئل لماذا تمكّنت إسرائيل من اغتيال العاروري ولم تتمكّن من اغتيال السنوار. فأجاب أنّ السنوار يعيش كمُطارد ومطلوب فيما العاروري كان يعيش كرجل يعمل في السياسة وناشط فيها.
مصادر خاصة بـ”أساس” أشارت إلى أنّ “العاروري قدم إلى بيروت من العاصمة القطرية الدوحة قبل 24 ساعة من الاجتماع بالضاحية الجنوبية لبيروت الذي استُهدف فيه، وبالتالي كان من السهل رصده”.
تشير المصادر لـ”أساس” إلى أنّ مركز حماس الذي تمّ استهدافه كان مهجوراً خلال الأشهر الأربعة الماضية نتيجة شبهة أمنيّة، وكان قادة حماس قد أخلوه طوال تلك الفترة إلى أن تردّدوا فجأة إليه يوم الاغتيال.
مصادر خاصة بـ”أساس” أشارت إلى أنّ العاروري قدم إلى بيروت من العاصمة القطرية الدوحة قبل 24 ساعة من الاجتماع بالضاحية الجنوبية لبيروت الذي استُهدف فيه، وبالتالي كان من السهل رصده
فكيف عرف الإسرائيلي بعودتهم إلى المقرّ؟
يقول مصدر أمنيّ لـ”أساس” إنّه عادة الهدف عندما يُحرق أمنيّاً ليس بالضرورة أن يبقى بعيداً عن الرصد الأمنيّ، فحتى لو أنّ الشخص المعنيّ بالاستهداف ما عاد يتردّد إلى هذه النقطة، لكنّ هذا لا يعني أنّ الإسرائيلي سيترك رصد هذه النقطة وينتقل إلى أخرى، لكن يبقيها في عين الرصد هي وغيرها.
هنا قد يكون الخطأ الذي ارتكبته جماعة حماس، أي أنّهم افترضوا أنّ هذا المكان أصبح آمناً بعدما أخلوه لأشهر.
يربط المصدر دقّة الاغتيال بالتطوّر التقني لدى العدوّ الإسرائيلي. ففي الضاحية حركة مسيّرات وطائرات استطلاع بشكل دائم ودوري، ويمكن أن يكون الرصد تمّ عبر هذه المسيّرات، كما يمكن أن يكون تمّ عبر الإنترنت. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الحزب طالب السكّان جنوباً بإيقاف الإنترنت عن كاميرات المراقبة في الشوارع، لأنّه يمكن اختراقها من قبل الإسرائيلي وأخذ صور تفصيلية للمكان والناس، لكنّ هذا التعميم لم يسرِ في الضاحية التي تضمّ العديد من المؤسّسات، ومنها ما هو قريب لموقع الاغتيال، مثل حلويات الشرق وإحدى الصيدليات والمختبرات التي جميعها لديها كاميرات مراقبة.
أين أصبحت التحقيقات؟
مصادر خاصة بـ”أساس” أشارت إلى أنّ التحقيق باغتيال العاروري يجري بعدّة اتجاهات:
1- خرق عبر شبكة الاتصالات الخلوية (ألفا وتاتش).
2- خرق عبر شبكة الإنترنت من خلال كاميرات المراقبة المنتشرة حول المبنى المستهدف.
3- وجود عملاء على الأرض كشفوا موقع العاروري.
4- الذكاء الصناعي عبر التعرّف على بصمة الصوت لكشف الهدف.
أضافت المصادر لـ”أساس”: “لقد تمّ إسقاط فرضية الخرق بالشبكة الخلوية، فيما من الصعوبة بمكان تحديد مدى الخرق في شبكة الإنترنت، إلا أنّ ما يمكن تأكيده أنّ الاعتماد على بصمة الصوت عبر الذكاء الصناعي شبه محسوم. كما أنّ عملية كهذه لا يمكن لها أن تحصل من دون وجود مرشد بشري على الأرض قريب من موقع الحادث”.
قدرات تقنيّة خارقة
العميد السابق في الجيش اللبناني خليل الحلو يرى أنّ هناك أهمية لفرضية الخروقات الأمنية البشرية في هذه الحادثة أو داخل الحزب بشكل عامّ، ويؤكّد أن ليس بالضرورة أن تكون الخروقات الأمنيّة من داخل الحزب نفسه، “فالشقّة التي تمّ استهدافها يعرف الناس هناك لمن تعود ولم تكن مخفيّة أو سرّية، وبالتالي مراقبتها سهلة، وأيّ شخص يسهل عليه مراقبتها وإرسال المعلومات اللازمة عنها، لكن بالتأكيد العملية أكبر من تحديد عامل بشري”.
العامل البشري يستطيع أن يقول إنّ هذه الشقة لفلان وإنّه يتمّ الاجتماع فيها ويحدّد وقت الاجتماع، لكنّ الأكيد أيضاً أنّ الإسرائيلي لديه إمكانيات تقنيّة متقدّمة تمكّنه من معرفة المعلومات التي يريدها بما فيها أنّ الهدف موجود داخل الشقّة، سواء عبر الهواتف المحمولة، أو عبر السيّارات التي يتنقّلون بها. والعملية برأي الجنرال حلو هي مزيج من معلومات استخبارية بشرية وتكنولوجية، والأهمية الأكبر تعود للمعلومات التكنولوجية.
مصادر خاصة بـ”أساس” أشارت إلى أنّ التحقيق باغتيال العاروري يجري بعدّة اتجاهات
يعود الجنرال حلو للوراء، ويقول إنّ الأميركيين استمرّوا من عام 1970 حتى عام 2000، أي 30 عاماً، لا يعتمدون على المعلومات البشرية، لكن عادوا إليها أخيراً ليس لمعرفة تحرّكات وتنقّلات أهدافهم، بل ليعرفوا طريقة التفكير وليس المعلومة بحدّ ذاتها، لأنّهم قادرون بسهولة على الوصول إلى المعلومة تقنيّاً عبر الأقمار الصناعية، التي تستطيع أن تحدّد موقع الهدف بشكل دقيق وفي أيّ طابق، وبالتأكيد إسرائيل لديها التقنيّات نفسها، وبالتالي العامل البشري مساهماته محدودة في هذا النوع من الاستهدافات.
العميل أوّلاً..
من ناحية أكاديمية، الأستاذة الجامعية والباحثة في علم الاجتماع السياسي ميرنا زخريّا لها رأيٌ آخر في هذا السياق، وتؤكّد أنّ مشاركة الحزب في حرب غزة أدّت إلى عدد لا يستهان به من الضحايا المدنيين والشهداء من القادة والعسكريين، وآخرهم كان اغتيال يزبك في الناقورة جنوباً، وقبله العاروري في الضاحية الجنوبية. وتشدّد على أنّ الاغتيالات التي حصلت ليست بعمل مفاجئ في ظلّ الظروف القائمة، إنّما المفاجئ، برأي زخريا، هو التساهُل والتباطؤ الأمني الذي يحصل مراراً وتكراراً على الرغم من التسليم بإجرام العدوّ الإسرائيلي، و”بالأخصّ أنّ العاروري هو في آنٍ واحدٍ أحد قادة حماس في الضفة الغربية وأحد قادة طوفان الأقصى في غزة وأحد مسؤولي التواصل مع الحزب. كما أنّه قبل هذا وذاك هو أصلاً على اللائحة المُعلنة للمستهدفين، ومع ذلك يشارك في اجتماعات في مكتبه القائم في شارع مفتوح ومكتظّ. وربّما العبرة الوطنية التي تسجَّل في ضوء تعاظُم الأحداث هي أنّ واجب حماية لبنان واللبنانيين أهمّ من ضرب إسرائيل والإسرائيليين ومن إعانة فلسطين والفلسطينيين”.
أمّا الملاحظة الثانية التي تتطرّق إليها الدكتورة زخريا فهي أنّ التخطيط لعملية اغتيال شخصية بهذا الحجم الكبير وبهذه الدقّة اللافتة يحتاج دون شك إلى عميلٍ ناشطٍ على الأرض، “والتسليم بغير ذلك وإشاعته ما هو إلا تبسيط خاطئ بغير مكانه وزمانه. فالقدرات التكنولوجية عبر الهواتف المتنقّلة أو الثابتة تبقى ناقصة من دون مُخبر يعمل لمصلحة العدوّ ويمهِّد له الأرضيّة”. وتسأل: “أكان ذلك بالنسبة للعاروري أو حسين يزبك (مسؤول الحزب في منطقة الناقورة) أو نجل رئيس كتلة الحزب النائب رعد، أو حتى بالنسبة للقائد العسكري اللقيس الذي اغتيل منذ عشر سنوات بداخل سيارته أمام منزله. وأيضاً أكان ذلك في لبنان، سوريا، العراق، اليمن، أو إيران، أو حتى في إسرائيل ذاتها، إذ لَولا التَراخي الأمني في عقر دارها لما نجحت عملية طوفان الأقصى نجاحاً تاريخياً”.