هل تنطوي تعزية رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لقائد الجيش العماد جوزف عون بوفاة والدته، على أي أبعاد ودلالات سياسية، ام انّها لا تتعدّى حدود الواجبات في مثل هذه المناسبات؟
من حيث المبدأ، شكّلت خطوة جبران باسيل «علامة فارقة»، ربطاً بالخلاف الكبير بينه وبين جوزف عون، والذي كان قد وصل الى درجة القطيعة التامة.
ومع انّ واجب التعزية هو تقليد اجتماعي بديهي، وعابر في كثير من الأحيان للانقسامات في البيئة اللبنانية، الاّ انّ مبادرة باسيل حيال عون تحوّلت في ظل الخواء السياسي الداخلي مادة للأخذ والردّ، وولّدت ردود فعل متفاوتة توزعت بين الإشادة بها، لما تعكسه في رأي البعض من بُعد أخلاقي وترفّع عن الأمور الخلافية في حضرة الرحيل، وبين الهجوم عليها من قِبل البعض الآخر الذي وضعها في سياق التكاذب اللبناني والعواطف المخادِعة التي لا تنسجم مع ما سبقها من حملات ومواقف.
وأبعد من ذلك، هناك من أخذته استنتاجاته «البعيدة المدى» إلى ربط خطوة باسيل بـ«نظرية المؤامرة»، كما يُستدلّ من التفسير الذي سمعه مسؤول في «التيار الحر» من احد المتعاطين بالشأن العام، إذ اعتبر الاخير انّ تعزية باسيل لعون تندرج في إطار توجيهه رسالة تحذيرية الى قيادة «حزب الله» بوجوب التنبّه الى انّ من خياراته الممكنة التفاهم مع قائد الجيش على انتخابه رئيساً للجمهورية، وذلك ضمن محاولة الضغط على الحزب لتعديل موقفه من الاستحقاق الرئاسي.
وإزاء هذه الفرضية ابتسم مسؤول التيار، وتوجّه الى صاحبها بالقول متهكماً: بصراحة… نحن لم نصل بعد الى هذه الدرجة من الدهاء.
وقد تقصّد باسيل اصطحاب زوجته السيدة شانتال في تقديم التعازي، من باب تأكيد الطابع الاجتماعي والعائلي للزيارة وتحييدها عن أي مغزى سياسي، علماً انّه كان قد انتدب وفداً من التيار لتعزية عون، قبل أن يحسم لاحقاً قراره بأن يتوجّه مع زوجته الى كنيسة الفياضية.
واقتصر الحديث بين الرجلين في الكنيسة على المجاملات العامة المتصلة بالمناسبة، فيما استفسر باسيل من عون عن وضع أولاده و»شو عميعملوا»، من دون أن يتمّ التطرّق الى اي أمر آخر.
ويؤكّد القريبون من باسيل انّ مبادرته حيال العماد جوزف عون لا تتحمّل كل تلك الحمولة الثقيلة من التفسيرات المتضاربة التي أُعطيت لها، لافتين الى انّ رئيس التيار حريص على فصل الواجب الاجتماعي عن الملفات السياسية، وهو أثبت عبر زيارة التعزية لقائد الجيش انّ مشكلته معه ليست بتاتاً شخصية كما كان يُتهم، بل هي سياسية بامتياز.
ويشير هؤلاء، الى انّ التعزية لاعتبارات أخلاقية واجتماعية شيء، والطعن في قانون التمديد لقادة الأجهزة العسكرية والأمنية المرفوع من التيار شيء آخر، مشدّدين على أنّ باسيل مقتنع كل الاقتناع بمضمون الطعن وحيثياته، بمعزل عن النتيجة التي يمكن أن يفضي اليها.
ويشدّد المحيطون بباسيل، على انّ الطعن المرفوع الى المجلس الدستوري لا يمكن أن يُرفض اذا تمّت مقاربته وفق المعيار الدستوري المحض، بعيداً من الحسابات السياسية