كشفت مصادر مصرفية لـ”أساس” أنّ التعميم 151 المعدّل الذي كان يُنتظر صدوره أمس الأربعاء ويقضي بدفع 150 دولاراً لكلّ حساب مصرفي، قد يتأجّل إلى حين انتهاء مجلس النواب من مناقشة الموازنة العامة، فيما الرهان معقود على قدرة الكتل النيابية على تمرير قانون أو ربّما بند أو فقرة من ضمن الموازنة، يُحدَّد فيها سعر الصرف الخاصّ بـ”الدولارات المحلّية” المحتجزة في المصارف، والتي اصطلح على تسميتها “اللولارات”.
أمّا الذي تنتظره المصارف من البرلمان ويضغط مصرف لبنان من أجل تمريره وبالتالي ينجح بقذف المسؤولية عنه فهو تحديد ذاك السعر. لم يُحدّد بعد، لكنّ الأكيد بحسب المعلومات أنّه لن يكون بسعر صرف الدولار الفريش في السوق الموازي (89,500 ليرة)، بل سيكون أقلّ من ذلك، وصولاً ربّما إلى النصف أو ما دون. إذ تكشف المصادر أنّه ربّما يراوح بين 25 ألفاً و50 ألفاً لـ”اللولار” الواحد، وذلك لسببين:
1- حتى لا يتضرّر سعر صرف الدولار نتيجة زيادة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، التي يبدي مصرف لبنان حرصه على بقائها مضبوطة، باعتبارها “عصاه السحرية” للتحكّم بالسوق.
2- حتى تتمكّن المصارف كذلك من الالتزام به، وبالتالي دفع أكبر قدر من الودائع بموجبه.
تقول معلومات مطّلعة على تفاصيل تلك المفاوضات، إنّ 4 مصارف من بين المصارف الـ10 الكبرى، قد أبدت تحفّظات على مضمون هذا التعميم، خصوصاً أنّها تعتبره “هبط بالوحي”
حلّ سحريّ
بحسب المصادر فإنّ هذا القانون أو تلك الفقرة ربّما تكون بمنزلة “حلّ سحري” للتعميم المنتظر الذي يصرّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري على إصداره، بحسبما تؤكّد المصادر، أي بمعنى آخر فإنّ إقرار القانون المرتجى أو تثبيت مضمونه في فقرة ضمن الموازنة، ربّما سيُعبّد الطريق بشكل سريع، أمام الموافقة على تنفيذ التعميم الجديد والتزام المصارف به، أي الالتزام بدفع مبلغ الـ150 دولاراً لكلّ المودعين من دون اعتراضات، باعتبار أنّ القانون (ضمن الموازنة أو بشكل منفرد) سيكون “بدلاً عن ضائع” لقانون “الكابيتال كونترول” المنتظر منذ ما يزيد على 4 سنوات، وكذلك سيكون “خشبة خلاص” مبدئية للمصارف من أجل الاستناد إليها، بدافع إقفال ملفّات الدعاوى التي تلاحقها في الخارج، عبر دفع الودائع للمودعين المدّعين بالليرة اللبنانية، لكن بـ”Haircut” أقلّ خسارة لهم وأكثر مقبولية للمصارف.
سبق أن أبدت بعض المصارف اعتراضها على التسريبات حول مضمون التعميم المعدّل 151، الذي كشف “أساس” عن بعض تفاصيله وحيثيّاته.
لكنّ أبرز ما يثير امتعاض المصارف من التعميم المذكور، وكان مدار المشاورات خلال اللقاء الذي جمع أعضاء في جمعية المصارف وحاكم مصرف لبنان أمس الأول، هو افتراض شمول التعميم المنتظر الحسابات التي تاجرت بالشيكات طوال سني الأزمة، فاشترتها وباعتها بنسب متفاوتة راوحت بين 12% و20%، ثمّ يأتي اليوم التعميم ليدفع لها “لولارات” تلك العمليات المشبوهة، بالدولار “الكاش” و”الفريش”.
ترى مصادر أنّ الإجراء الذي يعتزم مصرف لبنان اتّخاذه هو “بلا أفق”، لأنّه قد يؤدّي إلى إنفاق ما يملكه “المركزي” من توظيفات إلزامية أو احتياطات، من دون وضع خطة واضحة المعالم
المصارف تتحفّظ
تقول معلومات مطّلعة على تفاصيل تلك المفاوضات، إنّ 4 مصارف من بين المصارف الـ10 الكبرى، قد أبدت تحفّظات على مضمون هذا التعميم، خصوصاً أنّها تعتبره “هبط بالوحي” لمآرب لا تبدو مفهومة في هذا التوقيت، خصوصاً عشيّة طرحه قبل إقرار الموازنة العامة وليس بعدها… “وكأنّ ثمّة طرفاً سياسياً يطمح إلى إرضاء فئة محدّدة من المودعين”.
تعتبره بعض المصادر المصرفية “جريمة بحقّ الودائع” لأنّه يمحو التمييز الذي سبق أن رسمه مصرف لبنان في تعاميمه حول “الودائع المؤهّلة” و”الودائع غير المؤهّلة”، فيأتي اليوم ليسوق الوديعتين بعصاً واحدة، ويعيد الأزمة إلى مربّعها الأوّل، ناهيك عن احتمال رفع سقف الخسائر… لأنّ من سيحصل على الدولارات “الفريش” من بين المودعين ذوي الودائع غير المؤهّلة، لن يرضى مستقبلاً بخلاف ذلك (دفعها بالليرة مثلاً).
بينما ترى مصادر أخرى أنّ الإجراء الذي يعتزم مصرف لبنان اتّخاذه هو “بلا أفق”، لأنّه قد يؤدّي إلى إنفاق ما يملكه “المركزي” من توظيفات إلزامية أو احتياطات، من دون وضع خطة واضحة المعالم تُخبر المصارف، وبالتالي المودعين، بما يرمي إليه مصرف لبنان من خلال هذا التعميم. فهل يريد في نهاية المطاف شطب المطلوبات لدى المصارف ولديه؟ أم لديه نيّة فعليّة لدفع جزء منها مستقبلاً؟ أم يريد أن يأكلها؟ تعتبر المصارف أنّها حتى الآن لم تحصل من مصرف لبنان ولا من السلطة السياسية على جواب شافٍ على هذا السؤال، ولهذا بدأ التلويح بإقامة دعوى غير مباشرة ضدّ الدولة ربطاً بـ”ربط النزاع” الذي تقدّمت به المصارف قبل مدّة أمام القضاء.