تصعيد خطير شهدته المنطقة يوم أمس الأحد، مع إعلان الولايات المتحدة مقتل ثلاثة من جنودها في قاعدة عسكرية عند الحدود السورية إثر هجوم مسيّرة، واتهم الرئيس الأميركي جو بايدن فصائل “متطرّفة” موالية لإيران بتنفيذ العملية، وتوعّد بالرد على ذلك، في إشارة إلى أن المنطقة أبعد مما تكون عن التهدئة وإخماد الصراعات، لا بل قد تكون ميدان انتخابات.
وقبل الإعلان عن مقتل الجنود، أعلنت “المقاومة العراقية” مهاجمة أربعة قواعد عسكرية أميركية وإسرائيلية في المنطقة، ما يُشير إلى أنها قد تكون خلف الهجوم الدموي على القوات الأميركية، مع ضرورة التذكير أنّه الهجوم الأعنف على قواعد أميركية في المنطقة منذ بداية الحرب في غزّة، وبالتالي فإن هذا التصعيد النوعي ستكون له نتائجه في المدى المنظور.
إلى ذلك، تصدّر تعليق عدد من الدول تمويل وكالة “الأونروا” مشهدية الحرب في غزّة، لما للقرار من تبعات ستكون قاتلة على الفلسطينيين الذين يُعانون من نار الحرب وعوز النزوح، وتوسّع رقعة المجاعة وانتشار الأمراض، بالإضافة إلى مواجهة الظروف المناخية الصعبة مع تدنّي درجات الحرارة وتساقط الأمطار بغزارة.
تقود إسرائيل حملة دولية على وكالة “الأونروا”، تكاد تكون بمثابة رد على مواقف المحكمة الدولية التي نصّت على حماية الفلسطينيين ووجوب منع إسرائيل من الاستمرار بارتكاب الإبادة الجماعية، وتهدف من خلال حملتها التي ترافقها بها دول غربية إلى التضييق أكثر على الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، وهي مُحاولات بدأتها إسرائيل منذ سنوات مع الضغط لخفض تمويل هذه الوكالة.
وكان للحزب التقدمي الاشتراكي موقف في هذا الشأن أدان فيه هذه القرارات، وناشد خلاله “ما تبقى من ضمير إنساني” لدى شعوب العالم للضغط على الدول للعودة عن قرارها، وحث في المقابل الدول العربية القادرة على تعويض هذا التمويل، إلى وضع المزيد من الامكانيات في خدمة الشعب الفلسطيني ووكالة الأونروا، للتخفيف من الآثار التدميرية لهذا القرار على كل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
سيتأثر لبنان بالقرار، لأن وكالة “الأونروا” تدعم فلسطينيي المخميات بشكل ملحوظ، وبالتالي فإن هؤلاء اللاجئين سيتأثرون وسيتراجع مدخولهم، الأمر الذي سيزيد من حجم الأعباء عليهم من جهة، ويضر بالدورة الاقتصادية اللبنانية من جهة أخرى، نسبةً لدور هذه الوكالة الأممية بإدخال العملة الصعبة إلى الاقتصاد المحلي.
بالعدوة إلى التصعيد في المنطقة، تزداد المخاوف من حرب أوسع نطاقاً، إذ تعهّد بايدن بمحاسبة المسؤولين “في الوقت المناسب وبالطريقة التي نختارها”، يعني أن الرد محسوم، وبالتالي فتح جبهة جديدة بين واشنطن وطهران، بعد البحر الأحمر، علماً أن القوات الأميركية لم ترد في وقت سابق على الهجمات التي حصلت على مواقعها، لأنها لم تخلّف ضحايا.
وما يزيد من هذه المخاوف ارتفاع الأصوات المُطالبة بالتصعيد في الداخل الأميركي، إذ دعا السيناتور روجر ويكر، كبير الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، إدارة بايدن إلى ضرب أهداف إيرانية وقادتها بشكل “مباشر”، فيما هاجم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام بايدن، ودعا إلى شن ضربات على أهداف داخل إيران، وبالتالي فإن الغضب يتصاعد في الدوائر الأميركية.
ويتخوّف متابعون من أن المزايدات الأميركية تشي بأن السباق الرئاسي في واشنطن بدأ يحتدم، والخوف من أن يكون ميدان هذا السباق منطقة الشرق الأوسط، فيُصعّد بايدن ويرد على الهجمات بخطوات تصعيدية لرد اعتبار إدارته في الداخل الأميركي وفي الخارج، فيكون قد رضخ للضغوط الانتخابية، ودفع بالمنطقة إلى حافة هاوية الصراع الأوسع.
وتعليقاً على الهجوم الذي حصل، توقّف خبراء أمنيون عند فشل الدفاعات الجوية في اعتراض الطائرة بدون طيار التي نفّذت الهجوم، وهو فشل يتكرّر ويتشابه بين القواعد الإسرائيلية والأميركية، ويتخوّف الخبراء من الرد الأميركي وانسحاب مشهد اليمن على سوريا والعراق، إذ وعلى إثر الهجمات الحوثية على الملاحة البحرية، رد الطيران الحربي الأميركي وضرب مواقع حوثية.
إزاء هذه التطوّرات الدولية الخطيرة، فإن لبنان هو الحلقة الأضعف، وتصعيد الحرب في الجنوب قد يعرّض لبنان إلى خطر الحرب الشاملة التي تُحذّر منها إسرائيل في حال فشل المساعي الديبلوماسية لإبعاد “الحزب” عن الحدود، خصوصاً وأن “حزب الله” جزء من خطط وحدة الساحات التي قد تُطبّق في حال التصعيد.
في المحصلة، فإن قرع طبول الحرب لا زال صداه أعلى من صدى الديبلوماسية، والصواريخ تتقدّم على المفاوضات، وبالتالي فإن المنطقة تقف على شفير الحرب أكثر من أي وقت مضى، لكن الحسابات دقيقة، والجميع يخشى الخطوات غير المحسوبة، إلّا أن الأنظار ستشخص الى مجريات الأمور في المدى المنظور.