تشهد الأسابيع الأخيرة زيادةً في معدل التوترات بين إسرائيل وحزب الله. وليس هناك تغيير دراماتيكي فِعلي في حدة المناوشات على الحدود الشمالية، كما لا يرغب أي من الجانبين في اندلاع حرب شاملة؛ لكن من الواضح أن التصعيد قد يخرج عن السيطرة٬ كما تقول صحيفة “Yedioth Ahronoth” الاسرائيلية.
ومن الواضح كذلك أن الشكوك تتنامى من الجانبين، حيث نشرت وسائل الإعلام في لبنان نهاية الأسبوع الماضي أن إسرائيل تستعد لهجومٍ على حزب الله.
وربما تؤدي مثل هذه الأخبار مثلاً إلى خلق توترات قد تسفر عن تغيير في استعدادات الحزب وتحوّله إلى حالة الطوارئ، إلى جانب زيادة يقظة سكان لبنان، كما يحدث في اسرائيل.
وتقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن: “قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تدرس إطلاق حملة خاصة لزيادة الجاهزية للحرب في لبنان. وبعيداً عن الحاجة إلى تجهيز الرأي العام في إسرائيل، ربما يؤدي قرار من هذا النوع إلى حسابات خاطئة من الجانب الآخر، بينما لا ترغب إسرائيل في الحرب وتريد استنفاد الخيارات السياسية كما هو حال حزب الله”.
وتمثّلت إحدى المعضلات التي شغلت كبار قادة الجيش الإسرائيلي العقد الماضي في كيفية إعلام الجمهور بحجم التهديد الذي يمثله حزب الله في الجبهة الشمالية، الأمر الذي ربما يتسبب في اشتعال حربٍ شاملة.
واحتل محور النقاشات السؤال حول ما إذا كان من الصائب عرض خطورة ذلك التهديد علناً، وذلك بغرض تنسيق التوقعات مع سكان البلاد ورفع الوعي وتعزيز جاهزية الجبهة الداخلية. وعلى الجانب المقابل، كان هناك إدراك بأن السيناريوهات التي ستُطرح للحملة متعددة الجبهات قد تثير ذعر العامة، وربما تمنح نصر الله الكثير من الثقة التي ستضر قدرات الردع الإسرائيلية.
على مدار السنوات، جرى طرح مختلف المقترحات للحملات الإعلامية على قيادة الجبهة الداخلية، وذلك بصورة تشبه مقترحات تجهيز غرفة مغلقة أو إنشاء مساحة محمية داخل المنزل. وتضمّن السيناريو المرجعي الذي كان من المفترض عرضه في مثل هذه الحملة بيانات عن الـ150 ألف صاروخ، الموجودة في حيازة حزب الله داخل لبنان، بحسب تقديرات إسرائيلية.
إذ يتمتع التنظيم بقدرة نيرانية تتجاوز الـ4,000 صاروخ في اليوم القتالي الواحد، بما في ذلك الصواريخ الموجهة والمسيّرات الانتحارية وأكثر. ونحن نشاهد بعض تلك القدرات على الحدود الشمالية هذه الأيام. لكن رؤساء الأركان قرروا عدم تخويف الرأي العام في نهاية المطاف بعد عرض تلك المقترحات عليهم٬ بحسب الصحيفة العبرية.
واليوم، تواجه قيادة الجبهة الداخلية مرةً أخرى معضلةً حول ما إذا كان من الصواب إطلاق حملةٍ لتجهيز الجمهور للحرب أم لا. ويُدرك صناع القرار أن اتباع هذا النهج، دون معلومات استخباراتية حول نية حزب الله لخوض الحرب، سيؤدي إلى زيادة الجاهزية. لكن المؤكد كذلك أن اتباع هذا النهج سيثير الذعر بين العامة أيضاً.
وتضيف الصحيفة أنه “من المؤكد أن الشكوك والتوترات في الشمال خلال الأشهر الأخيرة تدفعنا نحو عدد غير قليل من التخمينات والتكهنات، وذلك في ما يتعلق بالثمن الذي ستدفعه الجبهة الداخلية الإسرائيلية إذا اندلعت الحرب ضد حزب الله. ويؤيد قادة السلطات في الشمال فكرة الحاجة لتنسيق توقعات الرأي العام، خاصةً على خلفية الانتخابات المقبلة للسلطات المحلية. حيث أعرب هؤلاء عن مخاوفهم حيال الوضع الأمني وطلبوا إعداد السكان لمواجهة التهديد بإطلاق صواريخ كثيفة على إسرائيل”.
“لا شك أن مخاوف قادة السلطات مفهومة” كما تقول يديعوت أحرونوت، “لكن من الضروري عند دراسة هذا السؤال المهم أن نتذكر أننا لم نعد في السادس من تشرين الأول.
وأضافت الصحيفة, “وصحيحٌ أن معظم الخطاب العام يتمحور حول ما حدث في غزة، لكن وضع الجبهة الداخلية قد تغير؛ حيث انخفض معدل إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات الجنوبية نتيجةً لعمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وأصبحت غالبية الصواريخ تستهدف المستوطنات الشمالية في الأسابيع الأخيرة”.
وتابعت, “ومن المهم كذلك ملاحظة أن عقلية الجمهور قد تغيّرت: فمنذ اندلاع الحرب، بات السكان يمتلكون فهماً أفضل من ذي قبل لتداعيات الحملة الشمالية، خاصةً أن مئات الآلاف منهم قد أخلوا منازلهم أو تم إجلاؤهم منها. حيث أصبحت قدرات حزب الله معلومةً لدى المواطن العادي الذي يفهم ما سيتعيّن عليه فعله في حال اندلاع حرب شاملة”.
واستكملت, “ويجب أن نقول بوضوح إن صدور توجيه رسمي من قيادة الجبهة الداخلية بالاستعداد للحرب سيكون له تأثير كبير. فعلاوةً على حالة الذعر العامة، قد يؤدي ذلك إلى انهيارات في الأسواق وتآكل في ثقة الجمهور -إذا لم يحدث شيء- وهو موضوع حساس على صعيد العلاقة بين السلطات وبين الجيش”.
واردفت, “ولهذا يُجري الجيش الإسرائيلي تقييمات يومية للحالة، ويراجع باستمرار سياسة الدفاع على الجبهة الداخلية. وإذا دعت الحاجة إلى تحذير ملموس، فسوف تعرف المؤسسة الأمنية كيفية تنسيق التوقعات مع الرأي العام في الوقت الفعلي، وتجهيزه لمعركةٍ مطولة عبر قيادة الجبهة الداخلية”.
وتابعت, “علاوةً على ذلك، علّمنا التاريخ أن ذاكرة العامة قصيرة؛ حيث جرت مناقشة سيناريو الحرب في الشمال عدة مرات خلال السنوات الأخيرة، لكن التأثير على السكان كان محدوداً. وحتى إذا نسقنا التوقعات، فسوف ينسى الناس كل شيء قريباً وسط الأجواء الحالية. لهذا يبدو أنه لا جدوى من إثارة قلق العامة وتحضيرهم لحدث لم يتضح بعد ما إذا كان سيحدث أم لا٬ كما تقول الصحيفة الاسرائيلية.
واستكملت الصحيفة, “وتقع على عاتق اللواء رافي ميلو من قيادة الجبهة الداخلية مسؤولية ثقيلة الآن: فهل أصبح الإسرائيليون يدركون معنى التهديد بالفعل؟ أم هل نحن بحاجةٍ إلى حملة نعرف مزاياها وعيوبها بوضوح، وستحتاج إلى موافقة من رئيس الأركان هرتسي هاليفي ووزير الدفاع يوآف غالانت في ضوء حساسيتها؟ فضلاً عن ذلك، هل من الأفضل أن نقول الآن إن أي حملة من هذا النوع يجب أن تتضمن تنسيقاً للتوقعات حول حجم الضرر الذي سيلحق بحزب الله ولبنان نتيجةً للحرب؟.
وختمت: “لا شك أن الجبهة الداخلية في إسرائيل ستتضرر، لكن يجب أن يعلم الجمهور أن الجيش الإسرائيلي طوّر قدراته النيرانية بدرجةٍ كبيرة سواء في الجو أو البر. وستتضمن الضربات الجوية هذه المرة القنابل والصواريخ الموجهة إلى جانب القدرات الدفاعية. بينما لا توجد في بيروت قبة حديدية أو عصا سحرية”٬ بحسب وصف “يديعوت أحرونوت”.