منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي والإدارة الأميركية لا تترك فرصة إلا وتقول إنها لا تريد حربًا مع إيران، حتى أنها أكدت مرارا أن لا مؤشرات على ضلوع إيران في العملية، فيما إيران نفسها لا تترك فرصة هي الأخرى إلا وتؤكد أن المنظمات الحليفة لها من فلسطين إلى لبنان والعراق واليمن “قرارها مستقل” و”لا سلطة منها عليهم”، غير أن تطورات الأمس أعطت إنطباعات مختلفة من حيث نوع الرد الأميركي على مقتل العسكريين الأميركيين الثلاثة على الحدود السورية – الأردنية الأسبوع الماضي. فالضربات الأميركية طالت أكثر من 85 هدفاً في سوريا والعراق لمنظمات موالية لإيران، ما يعطي دلالات كبرى على رسائل كبيرة يمكن إدراجها في أكثر من تفسير، وهو ما يشكل رسالة عسكرية قوية لإيران.
أما المعنى السياسي للضربات التي وعد الرئيس الاميركي جو بايدن أنها “ستستمر”، فقد يكون من نوع استخدام العصى الغليظة للترهيب وفرض تنازلات معينة. وإذا كان السؤال كيف سترد إيران وأين ومتى وعبر مَن مِن حلفائها، فإن ما هو ظاهر أن الأمور ما تزال مضبوطة الإيقاع، ولن تتدحرج نحو مواجهات بالواسطة أو مباشرة في المرحلة المنظورة، وأن نوعية الرد كانت تحتاجها إدارة بايدن لاستعادة زخم انتخابي خسرته في أوكرانيا أولا، ثم في دعمها الحرب الإسرائيلية على غزة.
الخبير الاستراتيجي البروفسور سامي نادر وصف الهجوم الأميركي بأنه “ضربة بالحد الأدنى لاستيعاب الصقور في الداخل، خاصة وأن بايدن أصبح داخل السباق للرئاسة الاميركية ولا يريد أن تهتز صورته بالنسبة لحلفائه في المنطقة وصورته كرئيس كبير في السن”.
هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فإن بايدن “لا يمكنه أن يرد بشكل يجر المنطقة لحرب لا تريدها اميركا وليس لها مصلحة فيها”، وفق نادر، معتبراً أن “نقطة التحول الوحيدة فيها انها سمحت لخصم واشنطن أن يضبضب قواه، وقد أعلن حزب الله العراقي عدم التصعيد”.
نادر وفي معرض حديثه لجريدة الأنباء الالكترونية، رأى أن “الأمور انتهت عند هذا الحد، لأن لا أحد يريد التصعيد عدا اسرائيل التي لا يروقها ذلك”. وحول ما يشاع عن أن إسرائيل سترتد الى لبنان، رأى أن “هذا الامر يتعلق بوضع سكان الجليل، فإذا لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي وترتيبات مع حزب الله فقد تتوسع الجبهة لجرّ الاميركيين إليها، ولذلك كان عاد آموس هوكشتاين إلى المنطقة لطرح مسألة ترسيم الحدود”، وهذا لن يتم برأي نادر “دون إعطاء إسرائيل بعض التطمينات”، متوقعاً “زيارة هوكشتاين الى بيروت لمتابعة مساعيه، وإن لم يزرها فالمحادثات قائمة، لكنها ستبقى مرتبطة بما يحصل في غزة، فما يجري مسار متعلق بمسارين، الأول من سيحكم غزة في اليوم التالي، والثاني يتعلق بالوضع بالجنوب وتحييد لبنان وعدم تمدد الحرب، ولدى الطرفان الألماني والفرنسي قنوات مفتوحة مع الاميركيين حول كل ذلك”.
الى ذلك، وفي ظل جهود اللجنة الخماسية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، يُسجّل غياب كلي للمبادرات والأفكار المحلية التي يمكن أن تلاقي حركة الخماسية وتساعد على انتخاب الرئيس. وهو ما لفت إليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط بانتقاده الجمود الذي يصيب الواقع السياسي المعاش.
وهو ما لاحظه أيضا البروفسور سامي نادر الذي استبعد حصول أي خرق في هذا الملف في الوقت الحاضر رغم عجقة الموفدين، معتبرا أن التعويل على التقارب السعودي – الإيراني لم يساعد على إنجاز هذا الاستحقاق، كما ان موضوع اليمن ووقف التوتر في البحر الأحمر يتقدم على الملف الرئاسي اللبناني، ولم يحصل حتى الآن وقف لإطلاق النار. لذلك لن تسلّم اليمن أوراقها قبل الانتخابات الاميركية.
وبين الحرب على غزة وارتدادتها في الإقليم تترك دول الخماسية حيزا للبنان، فهل يستغل بعض اللبنانيين هذه الفرصة الجديدة للخروج من الزاوية التي حشروا أنفسهم فيها؟