بعد شهرين على زيارته الأخيرة لعاصمة الشمال، كان من المفترض أن يحط رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل اليوم في طرابلس في زيارة مقررة مع فاعليات المدينة على أن تكون “أكثر شمولية” من سابقتها، وفق التيار، و”لإزالة سوء التفاهم” الماضي.
وكانت جولة باسيل ستشمل رجال دين مسلمين ومسيحيين وستبني على ما سبق من مخاطبة لـ”الوجدان الطرابلسي”، بعد سنوات من الجفاء. وأراد التيار أن تشكل زيارة مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، فاتحة الدخول إلى المدينة بشكل جديّ هذه المرة وأكثر فاعلية.
كرة ثلج الإعتراضات
لكن حدثت المفاجأة في ساعات بعد ظهر أمس على وقع اعتراضات كبرت ككرة الثلج على الزيارة، وجاءت المفاجأة من إمام نفسه “بعد أن استجد عليه موعد في البقاع”، وبذلك لم يعد من معنى للزيارة نفسها إذا لم تكن من بوابة دار الفتوى.
درس التيار البيان الذي أصدره على أثر إلغاء الزيارة بتأن شديد، ولم يشأ الدخول في تأويلات أو افتراض سوء النية. وجاء في البيان: كنا تبلغنا من سماحة مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد طارق إمام أن سماحته كان قد طلب تأجيل موعد زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” لدار الفتوى إلى الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم، بسبب التزاماته السابقة في بيروت تحضيراً لجلسة المجلس الشرعي باعتباره نائباً لرئيس المجلس، إلا أنه استجد عليه ايضاً موعد في البقاع مترئساً وفداً من المجلس الشرعي لتقديم واجب عزاء طارئ.
لذلك اعتذر سماحته عن عدم قدرته على استقبال الوزير باسيل، بسبب تضارب المواعيد مع تأكيده أن دار الفتوى هي دار وطنية جامعة لكل المواطنين في لبنان وليست فقط لأبناء الطائفة السنية، والتمني ان تتوفر الظروف لحصول اللقاء في موعد آخر.
يضيف بيان التيار: تجاوبا مع ذلك، تقرر تأجيل الزيارة لوقت لاحق يتم تحديده بما يتوافق مع روزنامة مواعيد جميع القيادات الدينية التي كان سيزورها في طرابلس. واي تفسير آخر للتأجيل هو من صنع مخيلة بعض الذين يعتاشون من الشائعات والمشاكل ويحاولون إثارة الفتن والنعرات في وقت يسعى التيار للانماء في المدينة وللجمع بين اهلها ولكلمة سواء بين كل اللبنانيين.
بهذه العبارات ختم التيار بيانه، ولا يزال “إيجابياً” في علاقته مع المدينة، وإلغاء الزيارة لا يعني أن الأمور انتهت هنا. إذ أن الزيارة تأتي ضمن رؤية شاملة له على صعيد طرابلس وطبعا الشمال.
فالتيار، الذي صُنف في السنوات الماضية ضمن محور خط الممانعة بزعامة “حزب الله” ضد “الغالب الأعم” من الطرابلسيين حسب معارضي الحزب، والذي أدين رئيسه طرابلسيا “لاستفزازاته”، يريد أن يعيد الكرّة مستقبلاً، خاصة وأن في عاصمة الشمال من بات أكثر قرباً وكان حتى فترة غير بعيدة خصماً وبات اليوم يظهر على وسائل إعلام التيار وعلى رأسها الـ”أو . تي . في”، ويرفع شعار “عدم إقفال طرابلس بابها أمام أحد” ومواجهة الصورة النمطية “لمدينة التطرف” التي ترفض الآخر.
وكون طرابلس هي مركز الثقل السني والمدينة الكبرى بعد العاصمة بيروت، فإن هذا يجعل من الضروري بالنسبة إلى جهة كالتيار مخاطبة وجدانها وكسر الحاجز معها، والتقارب مع الطرابلسيين عبر سياسة الخطوة خطوة المدروسة مستقبلا بعد التعثر الذي حصل بإلغاء الزيارة التي لم يُبحث أي موعد آخر لها.
وكان باسيل سيلتقي مقامات دينية مسيحية والمجلس العلوي، وذلك بعد أيام قليلة على تنظيم التيار ندوة عن “وثيقة الأخوة الإنسانية” التي جاءت ثمرة مشتركة بين البابا وشيخ الأزهر. ثم انها كانت ستأتي وسط الظروف الإقليمية والعربية الدقيقة، والحرب على غزة، والإنسداد الداخلي، وطبعا العجز في الحل المالي والاقتصادي ناهيك عن السياسي.
لذلك كان التيار، الذي كان حراكه في سياق حركة سياسية داخلية قائمة أصلا للمسؤولين في شباب التيار، للتواصل مع الفاعليات بعد الحفاظ على الوجود التنظيمي، راغبا، بل في حاجة إلى هذا “الإنفتاح” وتقديم رؤية للنهوض إجتماعيا وسياحيا وخدماتيا من خلال إنشاء جمعيات أو دعم الموجود منها أو عبر سياسة التحفيز والتطوير، كما حصل خلال زيارته الأخيرة في شارع الدكتور يعقوب اللبان – مينو عبر الإعمار ودعم مشاريع صغيرة.
إنفتاح متأخر؟
ثمة من يقول إن انفتاح التيار جاء متأخرا وباتت مهمته أصعب وتزداد صعوبة بعد سنوات من تمكن خصومه وأهمهم “القوات اللبنانية”، من النفوذ لدى الشرائح الطرابلسية بعد عمل طويل وتحالفات، ما مكنها من الظفر بالمقعد الماروني في المدينة التي رفعت منذ زمن حاجزا أمام زعيم القوات سمير جعجع الذي ارتبط في الوجدان الطرابلسي بقضية الرئيس رشيد كرامي.
وبينما ترى شخصيات طرابلسية بأن لا مانع من استفادة طرابلس من مشاريع الإنماء، حتى لو جاءت من قبل خصم في السياسة، يتضح مع تطور الأمس
أن الخرق الجديّ لجدار البيئة “المُواجهة” لباسيل، لا يزال صعباً ومُعقداً.