سُدّد الشقّ المكمّل للفاتورة السياسية بتمديد ولاية قائد الجيش. صار الى تعيين رئيس للاركان بكمّ جديد من السوابق ليست الا مخالفات. بيد ان الاصل في ما حدث ان الكلمة للسياسة لا للدستور ولا للقوانين
ليس تعيين رئيس للاركان هو اللواء حسان عودة المهم الذي خرجت به امس جلسة مجلس الوزراء فحسب. بل ايضاً اربع مخالفات دستورية وقانونية في رزمة واحدة. يوازن ما فعله المجلس مجتمعاً بنصاب ثلثيْه اهمية ما ادلى به الرئيس نجيب ميقاتي في مستهل الجلسة، توطئة لموافقة الوزراء على تعيين عودة.في ما قاله ميقاتي ان الوضع الداخلي بات لا يُحتمل، خصوصاً تأثير عدم وجود رئيس للاركان على المؤسسة العسكرية والحاجة الى ملء شغور المنصب. قال ان قائد الجيش العماد جوزف عون تحدث معه، واخطره انه لا يستطيع مغادرة البلاد في غياب مَن ينوب عنه في صلاحياته، في اشارة الى فراغ منصب رئيس الاركان. تحدّث القائد الممدد له انه مدعو الى حضور معرض عسكري مهم في ابوظبي دُعي اليه من الدولة هناك، ومن الواجب مشاركته فيه. اضف انه مقيّد في حركته حيال الخارج. لا يملك ان يسافر لعدم وجود مَن يحلّ محله. ثم اكمل ميقاتي انه صار الى درس الخيارات القانونية المتاحة، مُقرّاً بأن التعيين قد يشوبه عيب قانوني ومخالفة، وهو جاهز للامتثال الى القانون حيال اي مراجعة ابطال مرسوم التعيين. بيد انه لا يسعه ترك البلاد والجيش بلا رئيس للاركان. من بعده تحدث الامين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، عارضاً الدراسة القانونية التي سيبنى عليها قرار مجلس الوزراء تعيين رئيس للاركان بالاستناد الى الظروف الاستثنائية.
قال ميقاتي ايضاً مفتتحاً الخوض في الموضوع، انه يتحدّث بصفته نائب رئيس المجلس الاعلى للدفاع قبل ان يسأل الوزراء الحاضرين هل من مأخذ لأي منهم. لم يُجب احد او يعترض. انتهى المطاف بتعيين العميد عودة رئيساً للاركان وترفيعه الى لواء.
سبق قرار البارحة محادثة لايام خلت بين رئيس حكومة تصريف الاعمال ورئيس مجلس شورى الدولة فادي الياس. قال الاول انه في صدد التفكير في تعيين الاعضاء الثلاثة الشاغرة مناصبهم في المجلس العسكري (رئيس الاركان والمدير العام للادارة والمفتش العام). رد الثاني ان ليس في وسع المجلس تحمّل تعيين ثلاثة خلافاً للقانون، كون مراسيم تعيينهم يُلزم اقترانها بتوقيع وزير الدفاع موريس سليم الممتنع عن التوقيع، ما يربك المجلس. ما قاله ايضاً انه يفضّل الاكتفاء بتعيين رئيس للاركان وحده نظراً الى اهمية الموقع لدى القائد، كي ينوب عنه دون سائر الاسميْن الآخريْن. قال الياس كذلك ان في وسعه تغطية تعيين رئيس الاركان ـ عالماً انه مخالفة ـ بذريعة الظروف الاستثنائية. نصح اخيراً بتعيين وحيد. ذلك ما حصل.
اما المخالفات الاربع فتكمن في الآتي:
1 ـ الخلط غير المبرر بين المجلس الاعلى للدفاع ومجلس الوزراء، او محاولة استحضار المجلس الاعلى الى مجلس الوزراء، وكلٌ منهما مؤسسة مستقلة عن الاخرى. ليست الصفة التي يحملها رئيس الجمهورية كرئيس للمجلس الاعلى للدفاع ولا رئيس الحكومة كنائب له، يصير الى التجول والتنقل بها او تُحمل من مكان الى آخر. ما ان يكتمل عقد المجلس الاعلى يبدأ دوره المرتبط بانعقاده. يرعى المجلس الاعلى للدفاع قانون الدفاع 102/83 في المادة السابعة فيه. بحسب المادة التاسعة وحده رئيس الجمهورية صاحب الدعوة الى انعقاده، او بناء على طلب ثلثيْ اعضائه الاصليين، وهم الى الرئيسين سبعة وزراء. للمجلس الاعلى اتخاذ توصيات ترفع الى مجلس الوزراء الذي يحوّلها قرارات. لدى شغور رئاسة الجمهورية تنتقل صلاحيات رئيس المجلس الاعلى للدفاع الى مجلس الوزراء مجتمعاً الذي يصبح عندئذ صاحب اختصاص توجيه الدعوة. لكل من المؤسستين آلية عمل واجراءات منفصلة عن الاخرى.
مع ذلك بدا مثيراً للانتباه ربط رئيس الحكومة دور المجلس الاعلى بمجلس الوزراء واستحضاره في خلال انعقاد مجلس الوزراء. لم يأتِ على ذكر انه نائب رئيس المجلس الاعلى الا لأن مراجعة مكية اوردت مرتين في الصفحتين 27 و34 ان رئيس الحكومة هو “نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة”. واقع الامر اولاً ان القائد الاعلى واحدٌ في المادة 49 في الدستور هو رئيس الجمهورية، الا ان الجيش يأتمر بمجلس الوزراء. ولأن نائب رئيس المجلس الاعلى ثانياً ينشأ حضوره في جلسة الانعقاد لا في كل اوان. بناء على الصفحتين هاتين، ناط رئيس الحكومة بنفسه بالصفة المضفاة هذه “واجب الحفاظ على المؤسسة العسكرية واستقرارها وضمان استمرارها وتماسكها”.
2 ـ مخالفة المادة 66 في الدستور التي توكل الى الوزراء ادارة مصالح الدولة وتنيط بهم تطبيق الانظمة والقوانين في كل ما يعود الى ادارته. لا يملك مجلس الوزراء الاستيلاء على صلاحية عهد فيها الدستور الى الوزير توازي تلك المعهود فيها الى رئيس مجلس الوزراء، على انها تمثل المغزى الحقيقي في اصلاحات اتفاق الطائف وهو التمثيل السياسي للوزير. ثمة خياران للوزير المُخل بوظيفته: اقالته بحسب المادة 65 بتطلبها ثلثيْ مجلس الوزراء او اتهامه من مجلس النواب عملاً بالمادة 70 بهذا الاخلال ومحاكمته تالياً امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
3 ـ مخالفة المادة 54 في الدستور القائلة باقتران توقيع الوزير المختص او الوزراء المختصين مع توقيعيْ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في القرارات المتخذة. في قرار اصدره مجلس شورى الدولة رقمه 74 في 16 تشرين الثاني 1995 برئاسة رئيسه القاضي جوزف شاوول في مراجعة اللواء منير مرعي ضد الدولة ـ مجلس الوزراء ووزارة الدفاع، اورد الآتي:
“… وبما انه بالاضافة الى ما ذكر لو كان صدور المرسوم المذكور لا يحتاج الا الى توقيع رئيس مجلس الوزراء، لما كان الدستور قد لحظ بصراحة في المادة 54 ضرورة ان يحمل توقيع الوزير المختص او تواقيع الوزراء المختصين. اي انه يجب ان يقترن المرسوم بتوقيع كل وزير يكون لوزارته علاقة مباشرة بالاحكام القانونية والتنظيمية التي يتضمنها الدستور.
وبما ان توقيع المرسوم من الوزير المختص هو الطريقة الدستورية التي بموجبها يتولى الوزير وفق احكام المادة 64 قبل التعديل ـ والمادة 66 فقرتها الثالثة بعد التعديل ـ ادارة مصالح الدولة وتطبيق الانظمة والقوانين في ما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته، وبما خص به عندما يكون من الواجب اصدار مرسوم لاجل ذلك.
وبما ان توقيع الوزير المختص المرسوم ليس امراً شكلياً لازماً فحسب، بل هو من المقومات الجوهرية لتكوين المرسوم الصادر لتعلقه بالصلاحية. وعلى هذا فإن خلو مرسوم من توقيع الوزير المختص يجعل من هذا المرسوم عملاً ادارياً باطلاً لصدوره عن سلطة غير صالحة”.
4 ـ مخالفة المادة 21 في قانون الدفاع التي تضع اقتراح تسمية رئيس للاركان في اختصاص وزير الدفاع بعد استطلاع رأي قائد الجيش. ما حصل اخيراً ان صار الى تجاهل حق الاقتراح المنوط بالقانون بالوزير، واكتفي باستطلاع القائد رأيه غير الملزم في نهاية المطاف ما دام القرار يصدر عن مجلس الوزراء. على ان الصيغة القانونية للقرار ذاك يُعبَّر عنها دستورياً بمرسوم يحمل توقيع الوزير المختص. ذلك ما لم يحدث البارحة.
المفارقة ان الاختصاص المعطى للوزير لتعيين رئيس الاركان، هو نفسه المعطى له لتعيين قائد الجيش في المادة 19، واقترانه الملزم باقتراحه اولاً وبتوقيع مرسوم التعيين ثانياً. ما لم يفعله مجلس الوزراء لتعيين قائد جديد للجيش كان سيقترح اسمه الوزير، اقدم على نقيضه بتعيينه رئيساً للاركان بلا توقيع الوزير.
تقاطَعَ حزب الله مع جنبلاط، وجنبلاط مع فرنجيه، فذللت عقبة اولى على طريق العقبة الثانية
لعلّ ابسط ما يسهل تفسيره في ما حدث امس، ان قفزت السياسة فوق الدستور مرة اضافية. سهولة ما حدث انبثق من تقاطعات لا من مصادفات: تقاطع حزب الله مع صاحب المطلب الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تعبيراً عن تقدير لموقفه من حرب غزة، تقاطع جنبلاط مع مرشح الثنائي الشيعي للرئاسة الاولى رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه على تذليل عقبة رئيس الاركان على طريق تذليل عقبة اكبر، كان ارسل الزعيم الدرزي الى الزعيم الزغرتاوي اشارتها الاولى بعدم ممانعته انتخابه.
اما الطامة الكبرى في ما وقع في السرايا، فالاستنجاد بموظف هو الامين العام لمجلس الوزراء كي يُفتي في سبل اخراج تعيين اقرّ رئيس الحكومة سلفاً في الجلسة ان فيه مخالفة، واقرّ ضمناً بطرحه من خارج جدول الاعمال انه بند سياسي اولاً واخيراً. للمرة الاولى في تاريخ الامانة العامة لمجلس الوزراء منذ الاربعينات مع اول امين عام هو الرئيس ناظم عكاري الى آخرهم فؤاد فليفل مروراً بامينين تاريخيين هما عمر مسيكة وهشام الشعار، لم يقل اي منهم يوماً انه مجتهد دستوري كي يقود مجلس الوزراء الى فتاوى في نصوص لا تحتاج في الاصل الى اجتهاد. للامين العام لمجلس الوزراء صلاحيات ادارية محددة ليست سوى: حضور جلسات مجلس الوزراء وينوب عنه عند غيابه المدير العام لرئاسة الجمهورية او الموظف الاعلى رتبة في امانة السر، السهر على تنفيذ قررات مجلس الوزراء.
ربما ليس لمجلس شورى الدولة التدخل في ابداء رأي نظراً الى انه يُسأل في المراسيم التنظيمية. مع ذلك اغفلت الحكومة المستقيلة مشورة المرجعية ذات الاختصاص وهي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، الى هيئة الاستشارات العليا المكلفة من مجلس الوزراء. وجدت اهل البيت اقرب مَن يقدّم الطبق المسموم.