ارتقتْ مع التوغّل الإسرائيلي المُتَدَحْرِجِ في العُمْقِ اللبناني ومحاولةِ اغتيال القيادي في «حماس» باسل صالح أمس في بلدة جدرا، ساحل الشوف (جبل لبنان)، المَخاطرُ من أن تكون «بلاد الأرز» وضعتْ القدميْن خارج ملعب «الحرب المحدودة» لتطرق بابَ مرحلةٍ متفلّتة من الضوابط وما اصطُلح على تسميته «قواعد اشتباكٍ» تَحْكُمُ جبهةَ الجنوب منذ 8 تشرين الأوّل الماضي.
وجاءت الغارةُ بمسيّرةٍ إسرائيلية في جدرا (إقليم الخروب) التي تبعد نحو 60 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية و30 كيلومتراً عن بيروت، لتشكّل ثاني أقوى «جرس إنذار بالنار» على امتدادِ 125 يوماً من المواجهات على جبهة الجنوب، وذلك بعد العملية التي كانت استهدفت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت 2 كانون الأول.
ولم يكد أن ينقشع غبارُ محاولةِ تصفية القيادي في «حماس» باسل صالح (من فريق العاروري) الذي وصفتْه إذاعة الجيش الاسرائيلي بأنه «أحد المسؤولين عن ملف الضفة الغربية ومسؤول عن التجنيد فيها» والذي نجا من العملية ليَسقط ما لا يقلّ عن شخصيْن (أحد عناصر حزب الله ومواطن سوري)، حتى تطايرتْ علاماتُ الاستفهام الكبرى حول أبعاد تَعَمُّدِ تل أبيب المضيّ في ضرباتٍ «تحت الحزام» تتمدّد معها في كل مرةٍ رقعةُ المواجهات فوق الجغرافيا اللبنانية التي تزداد تباعاً «البقع الحمر» فيها.
وعبّرت أوساط عليمة عن خشيتها من أن تكون الغارة في جدرا، التي وصفتها صحيفة «يديعوت احرونوت» بأنها «عملية التصفية غير العادية»، إشارةً إلى أن «الجدار الفاصل» الأخير عن ولوجِ لبنان الحرب الشاملة يقترب من السقوط لاعتباراتٍ اسرائيليةٍ تختزلها أزمات بنيامين نتنياهو داخل حزبه (الليكود) وداخل حكومة «المتاريس» التي يترأسها كما على صعيد مجرياتِ حرب غزة التي جعلتْه نتائجُها العسكرية غير الممكنة التسييل سياسياً حتى الساعة، كما شقّها المروّع إنسانياً، أشبه بـ «الأسد الجريح» يهرب إلى الأمام ويَصْعُب توقُّع خطواته التي تَشي بأنها باتتْ على طريقة «عليّ وعلى أعدائي».
وفيما كانت الاستعداداتُ لهجومٍ على رفح – وهي الملاذ الأخير للنازحين الهاربين من آلة الدم والدمار في القطاع المحاصَر – من دون مراعاةِ ما قد يستجّره ذلك من إعلان العالمِ «الكيل طفح» من سلوكٍ دموي يفوق التصوّر، تؤكد المؤكدَ لجهة أن نتنياهو يتصرّف كمَن لم يعد لديه شيء يخسره وأنه لن يتورّع في اندفاعته الجنونية عن محاولة تحقيق الـ transfer بالقوة للشعب الفلسطيني، فإنّ إسقاط هذا الواقع على جبهة الجنوب يعمّق القلقَ من مسارات لا يمكن التنبؤ بها تحضّر لها تل أبيب حيال لبنان وعبّر عنها مصدر في حكومة الحرب الإسرائيلية بإعلانه أمس «عازمون على تنفيذ القرار 1701 حتى لو كان الثمن خوض حرب شاملة».
وتَقاطَعَ أكثر من معطى لتعزيز المخاوف:
– المؤشراتُ إلى أن نتنياهو اختار الاستفادة من الصعوبات التي «تُزرع» في طريق بلوغ هدنةٍ في غزة لمحاولة تحقيق أهداف «قاتلة» للقضية الفلسطينية أو بالحدّ الأدنى جعْل موازين الحل السياسي المستدام محكومة بمفاعيل «الأرض المحروقة»، وهو ما يُخشى أن يعتمده حيال «حزب الله» وفق رؤيةٍ قديمة – جديدة تقوم على «التقاط فرصةِ» وجود جبهتيْ غزة والجنوب على «خط نار» واحدٍ لتوحيد مساريْ الحرب عليهما تمهيداً لربْطهما بحلّ متوازٍ.
– الأثَر المحدود لعمليات «حزب الله»، رغم إيلامها الجيش الاسرائيلي، في تحقيق توازن الردع المطلوب، وسط الاقتناع الذي يترسّخ تباعاً بأن تل أبيب تعرف أن الحزبَ اتخذ قرارَ الامتناع عن أي فعل قد يُشكّل «زر تفجير» للحرب، ما يجعلها تمعن في اختبارِ هذا القرار وزيادة الضغط بالنار، علّه يقع في «خطأ» القيام بالخطوة التي تكون بمثابة «دوْس على اللغم»، وإلا تكون تُراكِمُ النقاطَ باغتيالاتٍ أو استهدافات توسع «حزام النار» في المقلب اللبناني.
فغداة استهداف اسرائيل القيادي في «حزب الله» علي كركي في هجومٍ بطائرة مسيّرة في النبطية ونجاته (أصيب المسؤول العسكري في الحزب عباس الدبس) وردّ الحزب بعملية غير مسبوقة في الجولان السوري المحتلّ ضدّ ثكنة كيلع بعشرات صواريخ الكاتيوشا، بدا واضحاً أن هذا الردّ لم يردع اسرائيل عن الارتقاء باعتداءاتها وصولاً إلى الاستهداف على طريق عام جدرا – برجا حيث أفيد أن مسيّرة استهدفت سيارة كان في داخلها المسؤول في «حماس» باسل صالح لكن الصاروخ لم يصب مباشرة السيارة المستهدَفة.
وبحسب تقارير في وسائل إعلام لبنانية فإنه مع اقتراب بعض المواطنين من المكان أطلقتْ المسيَّرة صاروخاً ثانياً أصاب مقدمة سيارة سامر عبدالحميد الذي أصيب بجروح خطيرة، فيما سقط خليل فارس صاحب بسطة في جدرا (وقيل إنه حضر لتفقُّد السيارة) ومواطن سوري كان على دراجة نارية، فيما أشارت تقارير أخرى إلى مقتل 3 أشخاص.
ولاحقاً نعى الحزب «المجاهد خليل محمد علي فارس«حمزة»مواليد عام 1969 من بلدة عيترون في جنوب لبنان وسكان بلدة جدرا، والذي ارتقى شهيداً على طريق القدس».
وإذ كانت اسرائيل تشنّ سلسلة غارات في عدد من مناطق الجنوب وبعضها أدى إلى وقوع قتلى، في موازاة إعلان «حزب الله» السيطرة «على مسيرة للعدو الإسرائيلي من نوع«سكاي لارك»وهي بحالة فنية جيدة»، فإن كل هذا الاحتدام جاء على وقع زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان لبيروت متحدثاً بلغة «المنطقة تسير نحو الحلّ والاستقرار» وأنّ «إيران ولبنان يؤكدان أنّ الحرب ليست الحل ونحن لم نكن نتطلع إلى توسيع نطاقها».
وأتت مواقف عبداللهيان بعد سلسلة لقاءات عقدها في بيروت وشملت، الى كبار المسؤولين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ووفد فلسطيني ضمّ الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة والقيادي في حماس أسامة حمدان ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر.
وفيما جرى في اللقاء مع نصرالله «استعراض آخر التطورات السياسية والأمنية في المنطقة خصوصاً في غزة وجنوب لبنان وبقية جبهات محور المقاومة، وتم التباحث حول المستقبل القريب للأوضاع في لبنان والمنطقة»، فإن ما رشح عن اجتماعات عبداللهيان مع المسؤولين اللبنانيين من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب أشار إلى أنه «لم يطرح خطة حول مرحلة ما بعد الهدنة بل وضع زيارته في اطار الدعم للبنان وإنهاء الحرب تمهيداً لتسوية كل الملفات» (كما نقل تلفزيون «الجديد»).
وكانت «وكالة تسنيم للأنباء» الإيرانية نقلت عن عبداللهيان ان التطورات في غزة تتّجه نحو الحل السياسي، لكن نتنياهو «لايزال يرى الحل في الحرب لإنقاذ نفسه».