بينما كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يعلن أنّ التطورات في غزة تتجه نحو الحل السياسي، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، «لا يزال يرى الحل في الحرب لإنقاذ نفسه»، كانت الخشية من توسّع دائرة الحرب في الجنوب، وغلبة لغة النار على الديبلوماسية، تشغل بال قائد الجيش العماد جوزاف عون.
يقول من يلتقي الجنرال إنّ مؤشرات التصعيد في الجنوب لا تنبئ بالإيجابية رغم محاولات الأميركيين والأوروبيين لجم الحكومة الإسرائيلية، إلّا أنّ خوض نتنياهو معركة بقائه قد تدفعه إلى جرّ الأميركيين إلى توسيع إطار المعركة فيما قدرة واشنطن على لجمه محدودة، وفق ما بيّنت وتبيّن التطورات الميدانية. وهذا ما يجعل الخيارات الحربية تتجاوز الخيارات الديبلوماسية التي عرضت خلال الأسابيع الأخيرة على لبنان وتتضمن وقفاً لإطلاق النار وتثبيت الحدود البرية بعدما أبلغ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين المسؤولين اللبنانيين أنّ الانسحاب من مزارع شبعا لا يندرج ضمن العرض الموضوع أمام لبنان.
وحين يُسأل عما اذا كان من الممكن أن تكون جولة التصعيد الأخيرة مقدمة لوقف إطلاق النار يجيب: أتمنى ذلك ولكن سلوك رئيس الحكومة الإسرائيلية لا يشير إلى ذلك. ويكشف أنّ قوات اليونيفيل أبلغته أخيراً نقلاً عن الإسرائيليين أنّ مدينة النبطية صارت برمتها في دائرة الاستهداف، خصوصاً بعد الهجوم الذي نفذته طائرة مسيّرة وسط المدينة، ما يرفع منسوب التأكيد بوجود خرق أمني كبير يطال «حزب الله»، الأمر الذي لا ينكره الأخير.
من هنا، فإنّ هذه المساعي الديبلوماسية تتزامن مع الهجمة الغربية لمساعدة الجيش من باب تعزيز وجوده في الجنوب حيث يفترض تطويع أكثر من خمسة آلاف عسكري ذلك لأنّ تطبيق القرار1701 يقتضي توسيع دائرة انتشار الجيش في جنوب الليطاني، من دون أن يعني ذلك أنّ المطلوب تعديل في مهامه أو في مهام اليونيفيل. كما أنّ سحب أي لواء من فوج من الأفواج المنتشرة في الجنوب، سيضرب مهمات الجيش في حماية الأمن الداخلي لا سيما لجهة ملاحقة الخلايا الإرهابية حيث تتحدث المعلومات عن إلقاء القبض حديثاً على خمس خلايا (من العراق وسوريا) بخلفية «داعشية». وبالتالي إنّ الحاجة للتطويع هي ضرورية لسدّ النقص.
وفي هذا السياق، عرض البريطانيون بناء أبراج مراقبة تشبه تلك التي موّلوا بناءها على طول الحدود الشرقية، والتي لا تختلف في طبيعتها عن المراكز العسكرية الموجودة راهناً في الجنوب، ولكنها أكثر تحصيناً وتجهيزاً وتتضمن برج مراقبة، غير أنّه يبدو أنّ تجهيز هذه الأبراج بكاميرات مراقبة لا يحظى بقبول «حزب الله» خشية من تسرّب الصور إلى البريطانيين، ولو أنّ الجيش هو من يدير هذه المهمة على الحدود الشرقية خصوصاً وأنّ البريطانيين اكتفوا فقط بالتمويل ولم يعد لهم هناك أي علاقة، فضلاً عن أن الإمكانات التقنية التي تتمع بها إسرائيل تجلعها بغنى عن هذه الكاميرات التي ستكون مهمتها رصد الجهة الإسرائيلية لا اللبنانية.
بالتوازي، يتحدث قائد الجيش وفق زواره، عن أهمية تعيين رئيس للأركان، الأمر الذي يسمح له بأن يجري سلسلة رحلات خارجية للبحث عن وسائل تدعم الجيش في هذه الظروف، كاشفاً أنّه تحدث حديثاً مع المسؤولين القطريين لتفعيل المساعدة المالية للجيش، كما مع العديد من الدول التي يقوم العديد منها بتقديم العون، كالولايات المتحدة، فرنسا، ايطاليا، بريطانيا، قطر، فيما اشترط البعض الآخر ألّا تكون تلك المساعدة مجانية، ولكن بثمنها.
ماذا عن علاقة قائد الجيش بالقوى السياسية؟
يتوقف العماد عون وفق زواره عند العلاقة الجيدة التي تجمعه برئيس مجلس النواب نبيه بري، ولو أنّ بعض الملفات تتطلب جهداً مضاعفاً لتأمين تأييد رئيس المجلس، لكن العماد عون يتحدث بإيجابية عن علاقته بالرئيس بري حين يأتي الحديث على ذكره. كذلك يصف علاقته بـ»القوات» التي لديها مصلحة وفق تقديره في تعزيز قدرات الجيش. ولا ينفي وجود تنسيق أمني مع «حزب الله» ونقاش مستمر بينهما حول كيفية الحؤول دون توسيع رقعة الحرب.
أمّا بالنسبة للعلاقة المستجدة مع رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية على أثر العشاء الذي جمعهما، فيكتفي بالقول إنّها كانت جلسة مصارحة وتوضيح لبعض المواقف والكلام السابق الذي نقل عن لسانيهما لبعضهما البعض، مؤكداً أنّ معظم دردشات السهرة ركّزت على هوايتهما المشتركة أي الصيد.
بالمقابل، فإنّ العلاقة مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران أشبه «بالفالج الذي لا يعالج»، لا بل يحمله مسؤولية الحملة السياسية التي يتعرّض لها، فيما تعيين رئيس للأركان لن يزيد في طين العلاقة مع وزير الدفاع بلّة، لأنّها بالأساس «معطوبة» وغير قابلة للإصلاح.
أمّا بالنسبة لفسخ عقد الوزير السابق ناجي البستاني، فيتبيّن أنّ هناك تراكمات ورزمة ملاحظات تسجلها قيادة الجيش على من يفترض أنّه محاميها، تبدأ بملف صواريخ الغراد الصربية التي تبيّن أنها غير صالحة للاستخدام، وكذلك حين تبيّن ايضاً أنّ المستشار القانوني لعب دوراً مزدوجاً في استشارته من باب العمل على جرّ قائد الجيش للمثول أمام النيابة العامة… ولا تنتهي بتشكيلات المحكمة العسكرية.
يصرّ قائد الجيش وفق زواره، على التأكيد أنّ أياً من القوى السياسية المحلية أو الإقليمية أو الدولية لم يفاتحه بملف رئاسة الجمهورية، وحين يقال له على سبيل المثال لا الحصر إنّ الرئيس بري يرفض تكرار تجربة العسكر في الرئاسة، يجيب «أنا أيضاً أرفضها ولينتخبوا رئيساً». كلّ تركيزه في هذه المرحلة على أداء الجيش وكيفية تأمين مقومات صموده وقدرته على تنفيذ القرار 1701 حين تأتي ساعة التفاهمات السياسية، مؤكداً رفضه إقحام السياسة في صفوف المؤسسة العسكرية، ويحرص دوماً على تنقية الشوائب حيث تتحدث المعلومات عن إحالة حوالى 80 ضابطاً إلى المجلس التأديبي وصدور قرارات بفصل حوالى 30 ضابطاً.