كما كانَ مُنتظراً، وصلَ رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري مساء الأحد إلى بيروت لإحياء الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، في زيارة تستمر نحو أسبوع. توقيت الزيارة، جعل التمنيات تطغى عليها، في وقت تمرّ المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى» بتحوّلات كبيرة يراهن عليها جمهور الحريري علّها تعيده مجدّداً إلى الحياة السياسية.خرقَ وصول «الشيخ» الرتابة السياسية التي تعيشها البلاد منذ 7 أكتوبر الماضي، وحرّك كلّ من يمنّي النفس بعودته من المنتمين أو المتعاطفين وحتى «المنقلبين». أغرب ما في الصورة التي رافقته، حالة الابتهاج به وكأنه «العائد المُحرّر» مرة ثانية من الرياض التي احتجزته وأجبرته على الاستقالة عام 2017. لم يكن «تغييب» الحريري اختباراً لقاعدته السّنية، فحسب، بل أيضاً الوطنية التي جرّبت حال «اللازعامة» على مستوى الطائفة، وجعلت حتى خصوم الرجل يرحّبون بعودته ويطالبون بها، تعبيراً عن الحاجة إلى وجوده كشريك في الحكم، منادين ضمناً بمنحه عفواً سياسياً من المملكة العربية السعودية لكسر قرار الاعتكاف واستئناف عمله، باعتباره الممثّل الشرعي شبه الوحيد للطائفة السّنية والمدخل الوحيد لإعادة التوازن.
في غضون ذلك، استمرت الاستعدادات والتحضيرات على الصعيد الشعبي في الشارع السّني، فجابت المسيرات السيّارة شوارع العاصمة منذ مساء الأحد، رافعة أعلام تيار «المستقبل» تحت شعار «تعوا ننزل ليرجع»، وانتشرت الصور واللافتات الداعية إلى حشد جماهيري يواكب زيارته الضريح في ذكرى 14 شباط، وناقشت بعض الأفكار إمكانية إقامة اعتصامات أمام منزله في وادي أبو جميل لمنعه من المغادرة!
في المحصّلة، أين وكيف سيصرف الحريري كل هذا التأييد وهذا التعاطف؟ حتى الآن، اختار الرجل التزام الصمت، حتى بشأن برنامجه الذي فضّل أن يتركه «مبهماً». وهو بدأه، من السراي الحكومي أمس، حيث أقيمت له مراسم الاستقبال الرسمية والتقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أولَم على شرفه بحضور الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية. أما في بيت الوسط، فالتقى الحريري شخصيات من تيار المستقبل، على رأسها الأمين العام للتيار أحمد الحريري، وعلمت «الأخبار» أن محطة الحريري الثانية ستكون في دار الفتوى للقاء مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان كما سيزور رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما لم يُحدد أي موعد بعد مع النائب السابق وليد جنبلاط الذي يزور عادة الحريري في ذكرى 14 شباط، وتفيد المعلومات بأن هناك أخذاً ورداً في هذا الشأن. أما بالنسبة إلى اللقاءات الأخرى، فأكّدت مصادر معراب لـ«الأخبار» أن «وفداً قواتياً سيزور الرئيس الحريري في منزله، على أن يتحدد في الساعات المقبلة موعد الزيارة»، أما بالنسبة إلى «التيار الوطني الحر» فتجيب مصادره عن سؤال حول زيارة قد يقوم بها وفد عوني للقاء الحريري بالقول: «غير معروف بعد»، لكن من المتوقّع أن يبادر نواب في التيار إلى زيارته بشكل منفرد.
باستثناء لقائه الرسمي مع ميقاتي، لم يشهد يوم الرئيس الحريري أمس أي لقاءات سياسية، فهو اكتفى بالاجتماع مع أفراد من العائلة وعدد قليل من الكوادر المستقبلية والصحافيين «الأصحاب». ورفض الحريري إعطاء أي تصريح سياسي، قائلاً للصحافيين الذين جالسوه في بيت الوسط إنه سيتحدث إليهم «الأربعاء بعد زيارة الضريح»، علماً أنه لن تكون له كلمة سياسية في المناسبة. وعلمت «الأخبار» أن «جدول أعمال الحريري يتضمّن لقاءات دبلوماسية مع سفراء عرب وأجانب طلبوا اللقاء به».
الثابت الوحيد في هذه المرحلة هو الـ «نيولوك» الذي أطلّ به الحريري. أما ما عدا ذلك، فبقي قابلاً للتفسيرات غير المؤكّدة. هل هو عائد حقاً أم لا؟ هل توافرت الظروف لعودته أم لا تزال صعبة؟ هل هناك تقاطع دولي مع الرغبة الداخلية بذلك؟
تقول مصادر مطّلعة إن «الدولاب لم يبرم برمته بعد، وإن الكلام السياسي المرافق لزيارة الحريري مبالغ فيه»، كاشفة أن «الحريري أبلغ فريقه بأنه سيغادر ولن يبقى في البلد»، رغمَ إصرار «جماعته» على التسويق لفكرة أن «دولاً خارجية تتفاوض معه للعودة لكنّه يشترط أن تكون هناك خارطة طريق»!
وأضافت المصادر أن «الأفق السياسي للأزمة اللبنانية لا يزال مغلقاً، ولا مكان محجوزاً للحريري حتى الآن، طالما لم تغيّر المملكة العربية السعودية رأيها»، معتبرة أن «الزيارة ستؤكد فقط أن غيابه عن المشهد لم يؤثّر على شعبيته وهي بمثابة جس نبض لمدى التجاوب معه في حال سمحت الظروف بالعودة الكبرى». كما اعتبرت أن تيار المستقبل يستغلّ هذه الزيارة والظروف المحيطة بها لتجديد المبايعة التي قد «تفرض حجز موقع له في أي تسويات آتية إلى المنطقة».