“الثنائي”كمفاوض وحيد ضمن “سلّة أميركية”؟!

تتوارد الأخبار التي قد تبدو متفرقة، لكّن وضعها في سياق الأحداث الجارية ومسارها يسمح بتكوين صورة أوضح للتطورات. وهي، في سياقها، تؤشر إلى أن المفاوضات حول الوصول الى تسوية للوضع في جنوب لبنان لا تزال مستمرة على الرغم من التصعيد ومن التوتر المتزايد ، وعلى الرغم من استمرار التهديدات الإسرائيلية التي تقابلها تهديدات من قبل أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. كل ما يجري يؤكد أن البحث يتركز على إنجاز تسوية تنتج استقراراً طويل الامد، بغض النظر عن مدار التصعيد العسكري، إذا كان سيتوسع أم سيبقى في المستوى نفسه.

ميقاتي وهوكشتاين
الخبر الأول، يتعلق باللقاء بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وقد تداولا في استمرار المباحثات حول وقف إطلاق النار في الجنوب وترتيب الوضع العسكري والأمني. وقد أصبح هوكشتاين مقتنعاً بأن لا حل قبل وقف اطلاق النار في قطاع غزة.
الخبر الثاني، تصريح هوكشتاين حول العمل والسعي في سبيل تهدئة الوضع وتأمين عودة السكان على الجانبين، ومما قاله هوكشتاين:” نحاول إبقاء الصراع في جنوب لبنان عند أدنى مستوى”. هذا يعني اقتناع باستمرار العمليات طالما الحرب على غزة مستمرة ولكن الهدف منع توسعها وإبقائها منضبطة ضمن مساحة جغرافية معينة وضوابط محددة. ويضيف هوكشتاين:” سيتعيّن علينا القيام بالكثير لدعم الجيش اللبناني، وبناء الاقتصاد في جنوب لبنان، وهذا سيتطلب دعمًا دوليًا من الأوروبييّن وكذلك دول الخليج، وآمل أن نرى منهم الدعم في المرحلة المقبلة.” يحمل هذا الكلام مؤشرات كثيرة لا سيما لجهة التركيز على الإقتصاد ودعمه ودعم الجيش، بالإضافة إلى اشارة واضحة الى الأوروبيين ودول الخليج. هذه الإشارات ترتبط بالأخبار التي تلي.

السلة الأميركية
الخبر الثالث، مفهوم أن الدول الأوروبية ولا سيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، كلها تعمل على تقديم رؤى ومشاريع واقتراحات لتكريس الإستقرار في الجنوب اللبناني. ففرنسا قدمت تصوراً للحل يقوم على مقترحات الورقة الشهيرة، وبريطانيا كذلك، من ضمنه تعزيز الجيش اللبناني بأبراج مراقبة وإجراء تدريبات للعناصر. كل هذه المقترحات ستكون مدرجة في النهاية في السلة الأميركية التي يعمل عليها هوكشتاين.
الخبر الرابع، هناك اشارة واضحة لدى المبعوث الأميركي لدور دول الخليج، ومعروف أن الولايات المتحدة الأميركية مع دولة قطر عملتا على تقديم مساعدات للجيش اللبناني ولمؤسسات لبنانية أخرى. وهذا التعاون قابل لأن يتطور مع احتمال توسيع نطاق الدول الخليجية التي قد تدخل الى الساحة اللبنانية. هذا لا ينفصل عن المسار الإقتصادي الذي يتجلى في كلام هوكشتاين وهو يؤكد دوماً على مساعي أميركا لتعزيز اقتصاد لبنان انطلاقاً من ترسيم الحدود البحرية والبدء في عمليات التنقيب عن النفط والغاز. هنا تجدر الإشارة الى أن الدول المعنية بالتنقيب هي قطر، فرنسا وايطاليا. وأي مسار اقتصادي لا يمكن فصله عن المسار السياسي، وبالتالي سيكون بحاجة لتعزيز الوضعية السياسية من خلال إعادة انتاج وتشكيل سلطة جديدة، اي انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة.

يأتي ذلك في ظل ما يحكى في الكواليس اللبنانية والخارجية عن تعثر في مسار الخماسية وتضارب في الرؤى ووجهات النظر ما قد يدفع الى تقويض عملها وذهاب الإتفاق إلى نطاق أضيق، قد يرتبط بالوصول الى تسوية بين أميركا، قطر، وإيران. خصوصاً أن بعض الأميركيين يقولون إن السعودية لا تبدو راغبة ولا مستعدة للإنخراط أكثر في لبنان ولا للدخول في استثمارات أو دفع مساعدات، ولذلك يجب البحث عن شركاء آخرين. هنا من المفيد تذكر حوار حصل بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل؛ ففي إجتماع بين رئيس الحكومة آنذاك يائير لابيد وهوكشتاين عام 2022 توجه الأول للثاني بالقول:” بعد هذا الإتفاق بيننا وبين لبنان يُغفر لك تدمير العلاقة مع السعودية…ليضحك الإثنان معاً”. وهذا له دلالات متعددة، قابلة لأن تتكرر في أي لحظة بظل العلاقات السعودية الأميركية غير المميزة.

الجيش..النفط ..والحدود البحرية
الخبر الخامس، استعداد فرنسا لتوجيه دعوة لعقد مؤتمر دولي حول دعم الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة، وهذا سيكون عنوان بحث بين باريس ودول عديدة؛ كما أن الفرنسيين يتحدثون عن زيارة هامة سيجريها رئيس وزرءا قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى باريس في الفترة المقبلة. يشار إلى أن قطر وفرنسا أساسيتان في مسألة التنقيب عن النفط والغاز كما في مسار البحث عن تسوية رئاسية.
الخبر السادس، انتهاء مهلة توقيع كونسورتيوم التنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 8 و10، وعدم التوقيع لا بد أنه يرتبط بظروف سياسية وأمنية في ظل توتر الوضع في الجنوب. بالتالي، ستكون الحكومة اللبنانية أمام احتمالين: الأول تمديد المهلة، والثاني هو إعادة طرح مناقصة جديدة وفتح دورة تراخيض. يرتبط ذلك حكماً بمسار الوضع في الجنوب وانتظار الوصول الى وقف إطلاق النار. وهذا يؤكد أن كل الملفات السياسية، العسكرية، الإقتصادية مرتبطة ببعضها البعض وتحتاج إلى حل واحد.

يعيد ذلك إلى لحظة ترسيم الحدود البحرية؛ حكي، في حينها، الكثير عن “صفقة” كاملة كان من ضمنها ايصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية الى لبنان وبعض التسهيلات الإقتصادية، إلا أن أياً من ذلك لم يحصل. يومها، تضاربت وجهات النظر في لبنان بين من يعتبر أن حزب الله كان ينتظر المقابل وهو اتهام وجهه له خصومه. وفي المقابل نفى الحزب أي معادلة من هذا النوع معتبراً أنه لا يخوض أي مفاوضات مع الخارج في سبيل تحسين شروطه في الداخل.

حصر المفاوضات بالثنائي
الخبر السابع، هو تأكيد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله على فصل موضوع الجنوب عن أي إستحقاق رئاسي آخر، فهو غير مربوط بالإنتخابات الرئاسية ولا بتغيير الدستور ولا بتحصيل الحزب لمكتسبات سياسية. تنقسم الآراء أيضاً حول هذا الكلام بين حزب الله وحلفائه وبين خصومه الذين يعتبرون أن الحزب وعلى الرغم من هذا الكلام المعلن يصر على التفاوض حول سلة شاملة تتصل بتحقيقه مصلحة سياسية ومصالح اقتصادية عبر الإستثمارات ووقف ما يسميه الحزب الحصار الإقتصادي المفروض على لبنان، في حين يعتبر الحزب وحلفاؤه أنه لا يخوض المواجهة في سبيل تحقيق نتائج سياسية في الداخل.
هذا الإنقسام في المواقف سيبقى سارياً بغض النظر عن النتيجة أو التفاصيل، وسط معادلة واقعية واحدة أن ترسيم الحدود البحرية كرّس الثنائي الشيعي كمفاوض أساسي وصاحب القرار، وما بعد مواجهات الجنوب فإن أي حل تريده الدول في لبنان لا بد أن يكون مبنياً وقائماً على شروط الثنائي، وبالتالي فإن المفاوضات ستكون منحصرة معه لا مع أحد غيره.

اترك تعليق