جاء نص البيان الرئاسي الذي خرج من الاليزيه عقب القمة الرئاسية التي جمعت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، فضفاضا في عناوينه لاسيما في الشق المتعلق بالازمة اللبنانية التي تناولها من مختلف جوانبها، حيث تطرق الى تطورات الجنوب وانعكاساتها الداخلية والاقليمية اضافة الى الازمة الرئاسية والدعوة الى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تقوم بتنفيذ الاصلاحات. ولم يغب عن بال البيان دور الجيش اللبناني وضرورة مساعدته في هذه الازمة مع التأكيد القطري كما الفرنسي على هذا الدعم من خلال المؤتمر الدولي المقرر عقده في باريس.
تُحاول الدوحة استنساخ دورها في صفقة التبادل بين اسرائيل وحماس وتطبيقه في لبنان عبر الحديث مباشرة مع حزب الله عن سلة عروض يمكن أن تقدمها للحزب، في حال رضخ للمطالب التي يأتي على رأسها انسحابه من منطقة جنوب الليطاني والتوقيع على تفاهم يؤسس لهدنة طويلة الامد على الحدود الجنوبية. ويعرض القطري وخلفه الفرنسي على حزب الله تسمية رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تكون حصته فيها وازنة يمتلك ثلثها المعطل، على ان تدعم الدوحة المصرف المركزي بوديعة كبيرة تبدأ معها الورشة الاقتصادية والمالية في البلاد كما تتكفل بإعادة بناء ما تهدم من القرى جنوبا على أن يملك القطري دورا في المعادلة السياسية اللبنانية. في المقابل أيضا، تدخل باريس كشريكة في الاقتصاد اللبناني عبر كبار رجال الاعمال المقربين من الاليزيه.
تسعى العاصمتان الى التقرب اكثر من حزب الله وترسل الدوحة موفدين من قبلها الى بيروت بعيدا من الاعلام للحديث مع الحزب عن الصفقة وتفاصيلها في حال نجحت الهدنة في غزة. ويتواصل القطري مع ايران للغاية نفسها، اذ يعتبر أن النجاح الذي حققه في العراق عندما توصل الى اتفاق مع ايران لوقف الاعمال العسكرية ضد القواعد الاميركية، يمكن أن يُطبق في بيروت مع مزيد من الاغراءات المالية.
وبعيدا من الدور القطري وخلفه الفرنسي تقف المملكة العربية السعودية في موقع المتفرج. فهي تُدرك أن دورها لا زال الاقوى وأن علاقاتها مع الدول العالمية تُفوضها الدخول في تفاصيل الاتفاقات بين الدول والدفع نحو السلام في المنطقة، ولكنها تتريث بانتظار جملة استحقاقات مقبلة ابرزها الانتخابات الرئاسية الاميركية ومستقبل الحرب الروسية الاوكرانية والحرب الاسرائيلية على غزة ومسار محادثاتها مع ايران.
للسعودية أدواتها في المنطقة ولكنها اتخذت قرار الحياد ريثما يقتنع الجميع بضرورة الجلوس على طاولة سلام يعمل عليها ولي العهد محمد بن سلمان كونها ترتبط برؤيته 2030 التي قد تسقط في اية لحظة تتقاطع فيها مصالح الدول الكبرى.
من هنا تؤكد مصادر دبلوماسية ان الحراك الفرنسي القطري لن يصل الى نتيجة لأنه يتعارض مع الرؤية السعودية الاميركية لمشروع الشرق الاوسط الجديد، وتُعاكس النظرة الاميركية مصالح باريس والدوحة، بل ترى المصادر ان واشنطن لن تتدخل في لبنان الا عندما يحين قطاف الترسيم البري ونزع سلاح حزب الله بشكل نهائي ودمج عناصره في الجيش اللبناني، فهي ترى ومعها الرياض ان الانسحاب الى شمال الليطاني ليس حلا في ظل التطور التكنولوجي الذي دخل الميدان العسكري، والافضل بحسب النظرية الاميركية أن تخرج المنطقة بحل جوهري للقضية الفلسطينية عبر حل الدولتين وسحب سلاح حزب الله وانهائه كتنظيم مسلح.