قرر قاضي الأمور المستعجلة في المتن الشمالي رالف كركبي، قبل أسبوع، تجاهل مسألة تكتّل وتعفّن 4506 أطنان من القمح وما يمكن أن يسببه ذلك من أضرار على صحة المستهلك، ليقف الى جانب الشركة المستوردة للقمح الفاسد، بعدما قرّر عدم الأخذ بنتائج عيّنات مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في وزارة الزراعة، أي المختبر الرسمي، التي أكّدت وجود تكتل وعفن في كل العيّنات التي أرسلت إلى المصلحة في شباط 2023 ثم في أيلول من العام نفسه.وتعود قصة القمح المتعفن الى شباط 2023، عندما رفضت وزارة الزراعة إدخال 4506 أطنان من القمح الأوكراني استوردتها شركة «شبارق للتجارة» (مركزها بيروت) بعدما أكدت نتائج تحاليل المختبر الرسمي وجود تكتل وعفن في العيّنات. غير أن الشركة قدّمت اعتراضاً لدى القضاء على قرار وزارة الزراعة بعدم إدخال بضاعتها. عند هذا الحدّ، عيّنت المحكمة خبيراً تشير إليه في متن الملف باسم «الخبير عبود»، خلص في تقريره الصادر في 26 أيلول 2023 الى أن شحنة القمح خالية من أي عفن أو مرض آخر، وبالتالي لا مانع من إدخالها. وعليه، قرر القاضي تبني تقرير الخبير، وأصدر قراراً لمصلحة الشركة، وسمح بفضّ الأختام والرصاص الجمركي عن شحنة القمح الفاسدة التي أودعت في اهراءات عائدة لمطاحن خاصة، ورخّص لـ«شبارق» بإدخال القمح الى السوق وتوزيعه. المفارقة أن القاضي تبنى تقرير «خبير» وأسقط نتائج فحوص مختبر الأبحاث العلمية، رغم إعادتها مرتين (في شباط وأيلول). وعلمت «الأخبار» أن الخبير الذي كان يوصل العيّنات الى مختبرات الأبحاث ليس سوى عبود نفسه. وبحسب المعلومات، رفض المكلّفون بإجراء التحاليل تسلّم بعض العينات من الخبير إياه بسبب تسوّسها وخشية انتشار السوس في المختبر، ما يعني أن شحنة القمح لا ينتشر فيها العفن فحسب، بل ينخر فيها السوس الذي يصعب احتواؤه وينتشر بسرعة هائلة، فضلاً عن أن القمح خزّن لفترة طويلة ومرّ عليه صيف حارّ.
أكدت تحاليل مصلحة الأبحاث الزراعية عدم صلاحية القمح بعد فحصه مرتين
غير أن ذلك كله لم يدفع القاضي كركبي إلى وقف الشحنة، بل ما عناه قط، وفقاً لما خطّه في قراره، «انقضاء مهلة الاعتراض على القرار الصادر عن المحكمة من دون أن تتقدم الدولة اللبنانية بأي اعتراض بشأنه». إذ اعتبر أن الاعتراض الذي قدّمته الدولة بعد نحو شهر على صدور قراره الأساسي (صدر في 17 تشرين الأول 2023 وتقدّمت الدولة بالاعتراض في 25 تشرين الثاني 2023)، لا يعتدّ به، رغم أن هيئة القضايا أكّدت في اعتراضها أن ثمة «أسباباً جدية تتعلق بصحة الإنسان»، وطلبت الأخذ في الاعتبار أن «عجلة الدولة اللبنانية تسير ببطء نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية»، مطالبة بوقف تنفيذ قرار السماح بتوزيع القمح في الأسواق لعدم توافر الشروط والمعايير المحددة قانوناً. هكذا، قرر القاضي استخدام القانون لإدخال قمح فاسد الى السوق، وردّ اعتراض هيئة القضايا في وزارة العدل التي تمثل وزارة الزراعة مع تكليفها إنفاذ مضمون قراره الأساسي الصادر في 17/10/2023 بالترخيص للشركة المستوردة للقمح المتعفّن بإدخاله الى الأسواق اللبنانية وتوزيعه على المطاحن!
رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر قالت لـ«الأخبار» إنها لم تتبلغ القرار بعد، رغم تسريبه الى الصحف، لكنها ستستأنفه فور تبلغها به، متسلحة برأي مصلحة الأبحاث في وزارة الزراعة بأن القمح غير صالح للاستهلاك البشري، وستطلب وقف تنفيذه.