على وقع التهديدات التي يواصل قادة العدو إطلاقها، يستمر تبادل الضربات بين المقاومة وجيش العدو ضمن إطار معادلة ساهمت في بلورتها ديناميات الميدان وأولويات الطرفين بما لا يريده كل منهما – في هذه المرحلة – من اتساع لنطاقها. نتيجة ذلك، لا تزال المعركة تدور في الغالب ضمن نطاق جغرافي محدّد وبوتيرة متفاوتة، تضبطها تقديرات وخيارات مدروسة من الطرفين. مع ذلك، يبقى هذا المسار مفتوحاً على أكثر من سيناريو محتمل، ربطاً بمستقبل التطورات في غزة وبتطورات الميدان في الجنوب.ورغم أن الحرب دخلت شهرها السادس، نجحت المقاومة حتى الآن في حصر المواجهة العسكرية في نطاق جغرافي مُحدَّد، ما وفَّر لها هامشاً أوسع في الجمع بين مواصلة الضغوط الميدانية على العدو، مع أقل قدر ممكن من التضحيات وتحديداً على مستوى المدنيين. والعامل المرجّح للخيار الذي تعتمده المقاومة حتى الآن، أن بدائله أشد خطورة، إضافة إلى أن شروط وقف النار لم تنضج حتى الآن. أضف إلى ذلك أنه يحافظ على استمرار ضغط الميدان على كيان العدو، إسناداً للمقاومة في قطاع غزة، وبما يحبط محاولات العدو فرض وقائع ومعادلات تتصل بواقع ومستقبل جنوب الليطاني.
في هذه الأجواء، واصل المسؤولون الإسرائيليون الحديث عن الاستعداد لشن هجوم على لبنان. فبعد إيعاز رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، بإعداد خطط لعملية برية ممكنة في لبنان، و«استخلاص الدروس من حرب غزة»، وتكليف معدّ خطط العملية البرية في قطاع غزة الجنرال تشيكو تامير بالتخطيط لعملية برية جديدة في لبنان، أعلن قائد المنطقة الشمالية اللواء أوري غوردين أمام اجتماع لمنسّقي الأمن في مستوطنات الجليل الغربي، استمرار تعزيز الاستعدادات «للخروج في هجوم في لبنان» بهدف «تغيير الوضع الأمني من أجل إعادة السكان إلى ديارهم». ورغم أن هذا موقف مُكرر، إلا أنه يُعبّر عن إجراءات فعلية يراكمها جيش العدو استعداداً لأي سيناريو يمكن أن تتدهور إليه التطورات، إما بفعل دينامية الميدان أو نتيجة قرار تتخذه القيادة الإسرائيلية. وهو في الوقت نفسه يندرج في سياق الضغوط المتواصلة على المقاومة بهدف تثميرها بالمفاوضات التي يديرها الأميركي، وكذلك لطمأنة المستوطنين بأن الجيش يتجه نحو إنتاج واقع يوفر لهم الشعور بالأمن والعودة. وفي السياق نفسه، عمدت قيادة المنطقة الشمالية إلى إجراء «حوار مفتوح مع المنسّقين» الأمنيين أطلعهم فيه غوردين على تقدير الوضع على جبهة لبنان، وعلى عمل قيادة المنطقة الشمالية في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى «تسريع الاستعداد للاستمرار وحتى تعميق القتال في القطاع الشمالي»، في تعبير عن اتجاه تصاعدي للمواجهة، إلا أنه لا يزال حتى الآن دون الارتقاء إلى حرب شاملة. وهو تقدير يمكن تلمّس معالمه أيضاً في كلام غوردين عن مراكمة الاستعدادات والحرص على العمومية في توصيف هدف «تغيير الواقع الأمني» الذي يمنح المستوطنين الشعور بالأمن، وهو أمر يحرص عليه كلّ القادة السياسيين والعسكريين لعدم تكبيل أنفسهم بأيّ قيود يصعب التراجع عنها، ويفسح المجال أمام التوصل إلى تسوية، على الأقل من الناحية النظرية حتى الآن.
يبقى المسار «المضبوط» للمعركة مفتوحاً على أكثر من سيناريو ربطاً بتطورات غزة والميدان في الجنوب
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن الجيش الإسرائيلي أدرك في الأشهر الأربعة الأخيرة أن ترسانة أسلحة حزب الله تتضمن العديد من الذخائر الدقيقة، بعضها ذو مسار مسطح مثل الصواريخ المتقدمة والبعيدة المدى المضادة للدروع، والتي يصل مداها إلى حوالي عشرة كيلومترات، كما أن بعضها لا يحتاج إلى خط رؤية متواصل بين منصة الإطلاق والهدف، إذ تجاوزت الصواريخ الدقيقة التلال وانفجرت على أهداف في كريات شمونة ومحيطها، في إشارة منها إلى صعوبة أن تؤتي أي خطط لشن هجوم على لبنان نتائجها المرجوّة منه.
ميدانياً، كثّف حزب الله عملياته كماً ونوعاً، أمس. ورداً على الاعتداءات على المنازل المدنية وآخرها الاعتداء على بلدة خربة سلم واستشهاد عائلة فيها، قصف مستعمرة ميرون بعشرات صواريخ الكاتيوشا، وشنّ هجوماً جوياً بمُسيّرتين انقضاضيتين على مرابض مدفعية العدو في عرعر، واستهدف تجمعاً لجنود العدو شرق موقع بركة ريشا، وموقع راميا وتجهيزاته. كما استهدف آلية عسكرية من نوع «نمير» في موقع المالكية ونشر مقطعاً مصوّراً يُظهر إصابتها بدقة. وهاجم التجهيزات التجسسية في موقع الرادار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وموقع الراهب وانتشاراً لجنود العدو في محيطه بصواريخ البركان، وثكنة معاليه غولان بعشرات الصواريخ لمرتين، وموقعَي الرمثا والسماقة في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة، إضافة إلى انتشار لجنود العدو الصهيوني في محيط موقع بركة ريشا بصواريخ بركان.
وأعلنت الجماعة الإسلامية – قوات الفجر استشهاد ثلاثة من مقاوميها هم محمد محيي الدين من بيروت، وحسين درويش من شحيم، ومحمد إبراهيم من الهبارية «خلال تأديتهم واجبهم الجهادي في جنوب لبنان – العرقوب في مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني». والشهيد حسين درويش هو ابن بلدة شحيم في إقليم الخروب، وطالب في السنة الخامسة في كلية الطب في جامعة بيروت العربية، وطالب في كلية الشريعة في جامعة الجنان.