إذا صحّت المعلومة، فإنّ لبنان سيستقبل شهر رمضان بخبر سيّئ. وهو أنّ إسرائيل، بعد أن بدأت الحفر في المساحة التي اقتطعتها من لبنان وفق اتفاق الترسيم البحري العام الماضي… قد وجدت كمّيات تجارية في هذه المنطقة. وبالتالي يكون لبنان الذي تخلّى عن 1430 كلم2، بتوقيع رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، قد خسر “النفط” جنوب لبنان البحري. خصوصاً بعدما أعلنت الشركة الفرنسية “توتال” أن لا كميّات تجارية في البلوك رقم 9.
إسرائيل بدأت الحفر في شمال البلوك رقم 9. أي في جنوب لبنان. وتبيّن أنّ هناك كمّيات تجارية في الـ1430 كلم2 التي قدّمناها لها على طبق هوكستينيّ. هذا ما تقوله مصادر دبلوماسية معنيّة بهذا الملفّ في حديث إلى “أساس”. وذلك على خلاف ما تبيّن في المساحة التي احتفظ بها لبنان جنوباً، أي البلوك رقم 9.
كان بطل هذه المسرحية الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، الذي يحظى بثقة الطبقة الحاكمة في لبنان، من أعلى الهرم إلى نهايته. وهو الذي أشرف على هذا الـ”Bluff”. فهو أقنع الرئيس عون بأن يوافق على اقتطاع 1430 كلم2 بحريّة جنوب لبنان، وهبها لإسرائيل، مقابل اتفاق الترسيم البحري. وهو الذي كان ضامناً لموافقة الحزب بترتيبات داخلية وخارجية. وهو الذي مثّل الولايات المتّحدة كطرف ضامن لاتفاق السلام النفطي غير المباشر بين لبنان وإسرائيل.
سذاجة… أم خيانة؟
هكذا أهدرت الطبقة الحاكمة نفطاً كان يكفي استثماره ليُخرج لبنان من أزمته الاقتصادية والماليّة. وكان المقابل “وعود بحريّة” بتنشيط العلاقات مع فريق الرئيس عون السياسي. وذلك بعد القطيعة والعقوبات الأميركية على النائب جبران باسيل. خوفاً من العقوبات على بقيّة “الفريق الحاكم”.
هذا واحد من النماذج التي يمكن الركون إليها، لشرح كيف يمكن تضييع دماء الشهداء، وآمال الفقراء، لحماية الأصدقاء، وصيانة أحلام الحلفاء. فهذا النفط الذي خسره جنوب لبنان، ليس ملكاً لمن وهبوه وفاوضوا عليه. هو ملك الشباب اللبنانيين الذين يهاجرون بحثاً عن قوت يومهم. في حين تسرف الطبقة الحاكمة في المقامرة بسنواتهم وأموالهم.
هل يختلط النفطُ بالماء؟
ماذا عن البلوك رقم 9؟ وهل كان لعزوف الشركة الفرنسية “توتال” عن الحفر أسباب سياسية؟
تجيب مصادر مطّلعة على تفاصيل الملفّ أنّ الشركة فعلاً لم تجد كميّات تجارية. وأنّ النفط “اختلط بالماء”. في تورية قد يكون متنها سياسياً، وعمقها علميّاً. فهل وجدت “توتال” كميّات غير تجارية؟ وهل قرّرت التوقّف عن الحفر لأسباب سياسية؟ وهل كانت الكميّات “محيّرة”، وقد يتبيّن لاحقاً أنّها تنفع للتجارة ولتكون “تجارية”؟
مصدر دبلوماسي غربي يجيب على هذا السؤال بالقول إنّ “شركات النفط تهرب في العادة من مناطق النزاع. وكلّ عملية حفر تكلّفها مئات ملايين الدولارات، فلماذا ستصرف شركات عالمية مليارات الدولارات في منطقة ملتهبة؟”.
يرتبط هذا الكلام بتوقيت إعلان “توتال” عدم وجود كمّيات تجارية في البلوك رقم 9 جنوب لبنان. وهو تاريخ 13 تشرين الأوّل. بعد 6 أيّام من عملية “طوفان الأقصى” في غزّة بتاريخ 7 أكتوبر (تشرين الأول). وبعد 5 أيّام من دخول الحزب الحرب “إسناداً لغزّة”.
الأصيل الأميركيّ.. والوكيل الفرنسيّ؟
بعدها شنّ إعلام الحزب حملاتٍ ضدّ فرنسا ودورها. باعتبار أنّ التفاوض يكون “مع الأصيل” الأميركي. وذلك ردّاً على “الورقة الفرنسية” بعنوان “الترتيبات الأمنيّة بين لبنان وإسرائيل”، التي حملها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورني مطلع شباط الفائت إلى بيروت.
يقول مصدر قريب من الفرنسيين إنّ “البلوك رقم 9 والـ1430 كلم2 هي من نتائج العلاقة مع الأصيل”. في إشارة إلى أنّ هوكستين هو من “ضيّع على لبنان النفط الذي بدأت إسرائيل استخراجه”. وفي تلميح إلى أنّ الدور الفرنسي كان أساسياً في عملية الحفر جنوب لبنان. وأنّ الذهاب إلى “التنتيع” مع الفرنسيين ربّما يكون أحد أسباب استعجال “توتال” في إعلان خلوّ البلوك رقم 9 من كميّات تجارية.
الغريب هو اعتبار أطراف لبنانية معنيّة أنّ موقف فرنسا “كان متماهياً مع إسرائيل” في غزّة. والاستناد إلى هذه الحكاية لعدم التجاوب مع المساعي الفرنسية.
والطريف أكثر أنّ هوكستين يمثّل الدولة التي تمدّ إسرائيل بالسلاح. لكنّ الطبقة الحاكمة لا تتّخذ منه موقفاً مشابهاً للموقف من فرنسا. هذا إذا تناسينا أنّه ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي.
فهل نجح الضابط السابق في تجيير النفط لوطنه الثاني؟ (أو الأوّل؟)
وهل تكمل الطبقة الحاكمة في لبنان لعبة القمار السياسي؟ وهل ينجز ثعلب السياسة الأميركي على البرّ، ما أنجزه في البحر؟