لو تمكنت هذه الايام ان تجالس رئيس مجلس النواب نبيه بري وتمشي معه ذهابا وايابا اما في صالون عين التينة الكبير او في الحديقة، مشاطرا اياه الرياضة المحببة الى قلبه، والتي اعتاد ممارستها يوميا في ساعات المساء الاولى، لاكتشفت رجلا يملك من الفكاهة السياسية المحنكة ما يكفي لايصال رسائله السياسية بالطف طريقة، وللمست ان الرجل المعروف عنه دهاءه السياسي، والمخضرم الذي عايش ولا يزال اكثرية حقبات تاريخ لبنان، يملك ايضا من الهدوء السياسي ما يكفيه للتعايش مع كل الازمات وتلقي كل ما يكتب او يقال بحقه مرة بضحكة العارف جيدا خلفيات «القيل والقال» ومرة اخرى برد كل اتهام لصاحبه.
سواء كنت تشاطره مواقفه السياسية او تعارضه، سواء كنت من محبي سياساته او معارضيها، لا يمكن لاي عاقل الا يعترف بان نبيه بري أحد أذكى رجالات السياسة اللبنانية، الذي عرف على مر السنوات كيف يضبط ايقاع البرلمان ويدوزن الازمات حتى بات معه مقر الرئاسة الثانية المحطة الاولى في زيارات اهم الموفدين العرب والاجانب، كيف لا ومطبخ التسويات الكبرى يحاك داخل اروقة عين التينة واكبر دليل هو وقت اللقاء الذي خصصه الموفد الاميركي اموس هوكشتاين لبري والذي تخطى الساعة بعدما القى الضيف على المضيف التحية بالقول:
هكذا وصف هوكشتاين بري!، اي باختصار انه الرئيس الذي يملك القرار!
ولانه الرئيس الذي يملك القرار وخبايا المعلومات والاسرار، قصدنا عين التينة، حاملين بجعبتنا الف سؤال وسؤال فكانت بداية الدردشة بالسؤال عن الاتصال الذي تلقاه بالساعات الماضية الرئيس بري من الموفد الفرنسي جان ايف لورديان، حيث وصف رئيس مجلس النواب جو الاتصال بالجيد، حيث حاول لودريان الاستفسار عن الحركة الرئاسية وكذلك الوضع جنوبا، وقد اكد رئيس مجلس النواب للودريان ان هناك مبادرة «ندعمها» وهي مبادرة تكتل الاعتدال الوطني وعندما يستجد اي جديد نعود للتهاتف. وردا على سؤال حول الملف الرئاسي، شدد بري على وجوب انتخاب رئيس سريعا، مجددا الفصل بين ملف استحقاق رئاسة الجمهورية والحرب على غزة وجبهة الجنوب قائلا : ما يحصل يجب ان يكون محفزا للاسراع بانجاز هذا الاستحقاق باسرع وقت ممكن.
وردا على سؤال حول ورقة الملاحظات اللبنانية على مسودة الورقة الفرنسية التي كان سلمها وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه الى المعنيين في لبنان حول موضوع الاستقرار جنوبا وتطبيق الـ 1701، وما اذا كان لبنان قد سلم الجانب الفرنسي ملاحظاته، كشف بري في دردشته مع الديار، بانه كان هناك ورقتان اولى أعدّت من قبل وزير الخارجية عبد الله بو حبيب واخرى من الرئيس نجيب ميقاتي لكنه (اي بري) نصح بان يتم توحيد الورقتين وتسليم ورقة واحدة و «هكذا حصل وقد سلمها ميقاتي للمعنيين» وقد تخطاها الزمن بحسب الرئيس بري.
ومن الحراك الفرنسي الى الاميركي بعد زيارة هوكشتاين الاخيرة، والطرح الذي قدمه، هنا كشف الرئيس بري عن نقاط عدة يمكن الاتفاق حولها في ما خص الـ1701 بورقة هوكشتاين الاخيرة لانه كان هناك اوراق عدة سابقا بحيث كل مرة كانت الافكار تتبدل ،كما قال، لكنه شدد في الوقت نفسه على ان «الامور مرتبطة بوقف العدوان على غزة اولا».
وللمرة الاولى يشير الرئيس بري، ردا على سؤال حول ماهية هذه النقاط التي قد تشكل محور تلاق بين الجانب اللبناني والاميركي في ما خص تنفيذ 1701، على انها كثيرة وقد تصل لـ 13 او 14 بندا، ويكشف في المقابل، ان من بين النقاط المختلف عليها هو الطلب الاميركي بتطبيق الـ 1701 على مراحل فيما لبنان يصر على «شمولية التطبيق»، بحسب تأكيد رئيس مجلس النواب.
وردا على سؤال عما اذا كانت الورقة الاخيرة التي قدمها هوكشتاين لا تشمل وجوب تراجع حزب الله ولو بضع كلمترات شمال الليطاني، قال بري : «لا في الورقة الاخيرة هذه النقطة غير موجودة»!، وهذا ما قرأت فيه مصادر متابعة تطورا لصالح لبنان.
يحرص رئيس مجلس النواب في دردشته، على التشديد على «اننا لا نفاوض مكان رئيس الجمهورية ولا باسم رئيس الجمهورية فنحن نتحدث عن تنفيذ الـ 1701، وكلامنا هو تحت سقف هذا التنفيذ جازما لا نتحدث عن 1701 جديد».
ومن الـ1701 الى الحركة الرئاسية لتكتل الاعتدال الوطني بعدما كثرت اتهامات البعض للرئيس بري بافشال مبادرة تكتل الاعتدال عبر حديثه عن ترؤس الحوار، سريعا يرد بري على كل هذه الاتهامات بالقول: «كل هذا الكلام غير صحيح فانا كنت وراء هذه المبادرة كيف بدي فشّلا»!ولكن الم تنته المبادرة نسال بري فيسارع للقول: «بعدا بعز شبابها».
ويتابع الرئيس بري كاشفا انه هو من طلب من تكتل الاعتدال بداية عدم ذكر اسمه في جولتهم الاولى على المعنيين حرصا على عدم افشال المبادرة ناصحا اياهم بعدم استخدام مصطلح «حوار» بل «تشاور» وعندما لم يأتهم جواب من حزب الله وبدأ البعض يفسر المبادرة كما يحلو له، عاد وفد التكتل لزيارته حيث قال لهم بري انه سيظهر هذه المرة للعلن مؤكدا للتكتل انه مستعد للمساعدة وترؤس «التشاور» على ان توجه الدعوات من قبل الامانة العامة لمجلس النواب لرؤساء الكتل على ان تترك الدعوة مفتوحة لكل رئيس كتلة باصطحاب نائب يختاره معه على طاولة التشاور. وتابع بري انه اكد ايضا استعداده لجلسات متتالية ولو استغرق الامر اسبوعا.
عندما وصل بيان القوات اللبنانية الذي توجهت فيه لبري بالقول: « مرتا مرتا تطرحين أمورا كثيرة يمينا وشمالا والمطلوب واحد الدعوة الى جلسة انتخابات رئاسية مفتوحة»، الى ايادي الرئيس بري الذي قراه مستغربا سطوره، اكتفى بالتعليق : هذا هو التعطيل، فهم لا يريدون انتخاب رئيس فنبادر لسؤاله : لكن المشكلة تكمن بان البعض يرفض ان تترأس انت دولة الرئيس الحوار فيرد سريعا : «يعني ما بدّنش رئيس» ويتابع ممازحا فيقول ضاحكا : «هلّأ ناطر العونيين».
لا يمكن للدردشة مع رئيس مجلس النواب ان تمر دون السؤال عن هدف الزيارة التي قام بها معاونه السياسي النائب علي حسن خليل للدوحة والتي وصفت بالسرية، الا ان الرئيس بري لم يفصح عن طبيعة مهمة حسن خليل حتى انه رد على سؤال عما اذا كانت الدعوة وجهتها قطر له شخصيا فأرتأى هو ايفاد معاونه علي حسن خليل بالقول: «ما بعرف». واللبيب هنا من الاشارة يفهم يقول مصدر موثوق لـ«الديار».
وفي عز «حماوة» الاسئلة السياسية، ولان «الشهيد اولا»، يستأذننا الرئيس بري ويسارع باتجاه زائر عزيز على قلبه، وصل الى عين التينة، عائلة الطفلة الشهيدة الشاهدة على وحشية العدو الاسرائيلي امل حسن الدر، فوقف رئيس مجلس النواب ورئيس حركة امل، ابن الجنوب المقاوم، مستمعا لوالد واخوات امل ووالدتها التي حرصت على تسليمه «مسبحة عداد»، كانت تحملها الطفلة امل بيدها عندما استشهدت وكانت في كل مرة تشعر فيها بالخوف تلجأ لها فتضغط عليها سائلة الله حمايتها ليتوجه بعدها لهم بري وقد استلم «الامانة» بالقول: «الشهيد الله بيحبّو».
بعد مغادرة عائلة الشهيدة الطفلة امل، يعود الرئيس بري باتجاهنا وقبل أن يهمّ بالمغادرة، نسارعه للسؤال: متى تتخلون عن دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية؟، فيستدير صوبنا ليرد السؤال بسؤال: جدّي انا كان رئيس؟ او خي جدي ترشّح؟ قاصدا كلا من الرئيس الراحل سليمان فرنجية واخيه حميد فرنجية في رسالة سياسية واضحة مفادها: «اخترنا احد قادة الموارنة الاربع الذين اجتمعوا ذات يوم في بكركي»!
وغادر بعدها رئيس مجلس النواب لاستقبال ضيوفه واضعا بذلك نقطة على سطر ترشيح فرنجية… اقله حتى الساعة!
حاولنا جاهدين ان نمارس «المشي السريع» على ايقاع الرئيس بري علنا نلتقط ما أمكن من معلومات موثوقة من المصدر الاساس، لم نفلح بتجميع كل الاجوبة لاسئلتنا الكثيرة، فالدردشة مع رئيس مجلس النواب تحمل ساعات وساعات ولعل اكثر من ذلك بكثير نظرا لما يكتنزه من «اسرار» ومعطيات، غادرنا وبجعبتنا ما حصلنا عليه، وغادر بري مكملا نهاره ومستقبلا ضيوفه حتى ساعات المساء!