عام مرّ على تدخّل مصرف لبنان الأخير في السوق شارياً لليرة اللبنانية عبر منّصة صيرفة عند حدود 90 الفاً، ومنذ ذلك التاريخ اي منذ نحو العام، وسعر الليرة مقابل الدولار ثابت، في حين انّ اسعار السلع والخدمات في تقلّب متواصل وتغيير تصاعدي. فلماذا لم تستقر هذه ايضاً مع استقرار الدولار؟ وما العوامل التي ساهمت في ارتفاعها؟
جرت في الاعوام التي تلت بدء الأزمة المالية في لبنان في تشرين الاول من العام 2019 محاولات عدة من قِبل المصرف المركزي للتدخّل في السوق، ساهم خلالها بتراجع مصطنع لسعر الدولار مقابل الليرة، وكان آخرها في 21 آذار من العام الماضي عندما اعلن عن مباشرة مصرف لبنان لعملية مفتوحة لبيع الدولار عبر منصّة «صيرفة»، بسعر صرف 90 الف ليرة للدولار، في محاولة منه لوضع حدّ للتراجع المتفاقم في سعر صرف الليرة.
وقد أدّى هذا التدبير الى تراجع سريع لليرة في السوق الموازية من نحو 140 ألفاً الى 105 آلاف ليرة وصولاً الى 89500 ليرة، السعر الذي يستقر عليه الدولار منذ نحو العام حتى اليوم. الاّ انّ هذا التراجع في سعر الصرف والمقدّر بنحو 40% قبل ان يستقر، لم يقابله ثبات في اسعار السلع التي واصلت ارتفاعها، متأثرة بعوامل عدة، حتى يمكن القول انّ كلفة المعيشة في لبنان عادت الى ما كانت عليه قبل الأزمة. ويُسجّل احياناً ارتفاع في اسعار بعض السلع والخدمات، تتجاوز ما كانت عليه عام 2019، في حين انّ الرواتب والأجور لم تلحق بالمعدلات التي كانت رائجة قبل الأزمة. فما الاسباب؟ وما هي العوامل التي ساهمت برفع اسعار السلع؟ وهل جميعها من صنع الدولة؟
في السياق، يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي لـ«الجمهورية»، «انّ هناك عنصرين يجب التوقف عندهما، الاول: عنصر الكلفة، والثاني عنصر التضخم العام. لدى بائع السلعة او التاجر كلفة ثمن البضاعة والكلفة التشغيلية للشركة (رواتب الموظفين، ايجارات، ايصال البضاعة…) وكلاهما يؤثران على سعر المنتج النهائي المعروض على رف السوبرماركت. وقد أُضيف الى هذه الأكلاف اعتباراً من تشرين الثاني 2022 وحتى نيسان 2023 ارتفاع في سعر الدولار الجمركي الذي زاد من 1500 ليرة الى 90 الفاً، ما انعكس زيادة تراوحت ما بين 2 الى 22% في اسعار السلع . كذلك زاد سعر الضريبة على القيمة المضافة المقرّرة 11% من 1500 ليرة لتُحتسب وفق سعر الصرف الرسمي، أضف الى كل هذه الضرائب ما لحظته موازنة 2022 بزيادة الرسم المقطوع على كل السلع بنسبة 3%، ما يعني انّ كل السلع الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة أُضيفت اليها ضريبة جديدة بنسبة 3%».
تابع بحصلي: «انّ كل هذه العوامل تُصنّف من ضمن الأكلاف المباشرة التي أثّرت على اسعار السلع، لكن لا شك انّ هناك اكلافاً غير مباشرة مثل ارتفاع اسعار المحروقات، عوامل تضخمية مباشرة ناتجة من ارتفاع الرسوم والضرائب التي تفرضها الدولة والتي لا تقلّ عامة عن 15 الى 20%… كل هذه العوامل ساهمت في ارتفاع الكلفة التشغيلية للشركة، ما انعكس ارتفاعاً في اسعار السلع. وهذا ما يفسّر سبب عدم ثبات الاسعار بالدولار».
وفي سياق موازٍ سُئل بحصلي، هل انّ اسعار السلع عالمياً سجّلت استقراراً خلال هذا العام؟
يؤكّد بحصلي انّه خلال هذه الفترة سُجّل تراجع عالمي في اسعار بعض السلع وارتفاع في البعض الآخر، لكن بالتأكيد هناك تضخم عالمي يتراوح ما بين 3 و 5%، فعلى سبيل المثال سعر الأرز والبن في العامين السابقين أغلى مما هو عليه اليوم، نتيجة التضخّم العالمي، هذا قبل الحديث عن الضرائب المحلية، لذا لا تجوز مقولة انّه متى سُعّرت السلع بالدولار ستحافظ على ثباتها.
وتابع بحصلي: «تُضاف الى كل هذه الاسباب عوامل اجتماعية وسياسية منها حرب غزة، أزمة البحر الاحمر وارتفاع تكاليف الشحن للبضائع الآتية من الشرق الاقصى… هذه العوامل ادّت الى ارتفاع الاسعار ما بين 2 و 15% بسعر كلفة البضائع»
ورداً على سؤال، إذا ما جمعنا كل هذه الاسباب مجتمعةً، من ضرائب ورسوم جمركية و tva، وكلفة تشغيلية واسباب مباشرة وغير مباشرة وتداعيات حرب غزة وارتفاع تكاليف الشحن، أكّد بحصلي انّه يمكن القول انّ اسعار السلع زادت في خلال عام ما لا يقلّ عن 15%.