خُيّر الجانب السوري بين اللواء طوني صليبا أو داني الرشيد. فاختار “التضحية” بالأخير وتسليمه إلى لبنان بعد هروبه من مقرّ “حماية الشخصيات”. الذي نُقِل إليه موقوفاً مُعزّراً مُكرّماً ومتمرّداً، “بِسندة ظهر” من اللواء صليبا، على قرار مدّعي عام التمييز بسوقه إلى سجن رومية.
من ساحة العبد إلى سوريا فالأمن العامّ أقلّ من 24 ساعة “شَاغَلَ” فيها داني الرشيد الدولة اللبنانية إلى حين توقيفه. بالتنسيق بين الجانبين اللبناني والسوري بعدما فرّ من سجن مقرّ “حماية الشخصيات” التابع لأمن الدولة.
قطبٌ مخفيّة كثيرة لا تزال تحيط بطريقة الهروب والجهة التي سهّلت وصول الرشيد إلى الحدود السورية. وأسئلة عن مدى مشاركة أمن الدولة في تغطية هروب المستشار عبر “ترييحه” إلى حدّ تسهيل هروبه من وراء ظهر العسكر. بما في ذلك مسؤول مقرّ “حماية الشخصيات” العميد الياس براك.
الأهمّ هو السؤال: هل تفضي الحلقة القضائية-السياسية-الأمنيّة التي تتحكّم بالملفّ إلى كشف حقيقة ما حصل فعلاً. خصوصاً أنّ مصادر سياسية موثوقة تقول إنّ الملفّ مشبّع بفضائح من العيار الثقيل. من بداياته وصولاً إلى هروب الرشيد ثمّ إعادة توقيفه؟
داني الرشيد المُدّعى عليه بالاعتداء مع آخرين على مدير أعمال ميريام سكاف المهندس عبدالله حنّا في كانون الأول الماضي ومحاولة قتله. الذي كان الطبق الرئيس للّقاء الذي جَمَع الثلاثاء الماضي سكاف مع اللواء صليبا في دارة جبران باسيل في البيّاضة. يضع حالياً مدّعي عام التمييز بالتكليف القاضي جمال الحجار ومعاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي أمام امتحان دقيق ومفصليّ. وذلك في ظلّ ثلاث وقائع يصعب جدّاً تجاهلها:
– كَسْر اللواء طوني صليبا لإشارة مدّعي عام التمييز حين تجاهل كتابه بإرساله له أسماء 68 موقوفاً لدى جهاز أمن الدولة، لم يكن اسم داني الرشيد من بينهم.
– كَسْره إشارة قضائية ثانية بعد الاستجابة لقرار الحجّار بنقل موقوفي أمن الدولة إلى سجون تابعة لقوى الأمن، لكن من دون داني الرشيد. هنا كان استحصل اللواء صليبا على إشارة قضائية بالنقل عبر محامي الرشيد. الذي تقدّم بطلب نقله أمام مدّعي عام التمييز السابق غسان عويدات قبل ساعات من إحالته إلى التقاعد. يومها وجّه عويدات كتاباً إلى المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان للاطّلاع وتنفيذ ما يقتضيه قانون السجون. فبادر قائد الدرك بالوكالة العميد ربيع مجاعص إلى إصدار برقية “بناء على موافقة المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي على نقل الموقوف داني الرشيد. من سجن عاليه إلى سجن مديرية أمن الدولة في 21 شباط الماضي”.
بعدها اختار اللواء صليبا غرفة “كلاس” في “حماية الشخصيات” نقل الرشيد إليها. ولاحقاً أدّى ضغط المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان على صليبا، بسبب ضغط القاضي الحجّار، إلى دفع صليبا إلى تنفيذ قرار النقل.
– وجود شبهات حقيقية تطال أكثر من طرف بمحاولة تسكير الملفّ سريعاً بعدما عَلِم الرشيد بالقرار الصادر بنقله يوم الخميس إلى سجن رومية. وهو ما دفعه إلى الفرار ليل الأربعاء.
سيناريو الهروب
تقول مصادر أمنيّة لـ “أساس” إنّ “عملية الهروب حصلت بين الساعة السابعة والساعة الثامنة والنصف من مساء الأربعاء. عن طريق الخلع كما أفاد الرشيد بذلك في إفادته أمام الأمن العام. وقد توجّه إلى خارج مقرّ المديرية مُتسَلّلاً فوق البوّابة السوداء الحديدية من دون أن يلحظ أحد من العسكر ذلك، واستقلّ تاكسي باتّجاه البقاع، وفق اعترافاته”.
تؤكّد معلومات “أساس” أنّ القاضي عقيقي لم يستمع بعد إلى داني خليل السعد الرشيد الذي لا يزال موقوفاً لدى دائرة التحقيق في الأمن العامّ. وقد اكتفى حتى الآن بالاستماع في مكتبه بالمحكمة العسكرية لصليبا يوم الخميس وتَركه رهن التحقيق. كما استمع إلى العميد براك. مع العلم أنّه انتقل منذ شيوع الخبر إلى مقرّ حماية الشخصيات للكشف الميداني.
قبل ذلك، كان معاون مفوّض الحكومة القاضي رولان الشرتوني قد انتقل، بتكليف من عقيقي، إلى مقرّ حماية الشخصيات من التاسعة من ليل الأربعاء حتى الثامنة والنصف من صباح يوم الخميس. وقد استمع إلى العميد براك وتركه محتجزاً في مكتبه، وأبقى ثلاثة عسكريين قيد التوقيف.
هنا تشدّد مصادر قضائية “على ضرورة استدعاء القاضي عقيقي للمدير العام لأمن الدولة مجدّداً. وإجراء مواجهة بينه وبين الرشيد ومواجهة أخرى بين الرشيد والعميد براك، وبين الأخير وصليبا من أجل اكتمال الصورة. خصوصاً أنّه لا يمكن الاكتفاء بالإفادة التي قدّمها الرشيد فقط أمام الأمن العامّ. فالغموض لا يزال يسيطر على عدّة مفاصل في الملفّ، وثمّة مخاوف فعليّة من ضبضبة القضية”.
عمليّاً، لن يكون بالإمكان استكمال الخطوات القانونية المطلوبة مع الرشيد لتزامن توقيفه مع بدء عطلة عيد الفصح التي تستمرّ حتى صباح يوم الثلاثاء.
بشّار على الخطّ
وفق معلومات “أساس” دخلت أكثر من شخصية وسيطة مع اللواء صليبا على خطّ الحديث مع السوريين لتسليم داني الرشيد بعدما تمّ التأكد من تجاوزه نقطة المصنع. كما أُحيط علماً الرئيس السوري بشار الأسد بالمسألة وأمَرَ بالتسليم الفوري.
طوال السنوات الماضية نَسَجَ الرشيد. المقرّب جداً من صليبا والمسؤول السابق لمكتب الوزير سليم جريصاتي وصديقه. علاقات قوية مع نافذين في سوريا. ويمكن القول إنّه اليد التي أمسكت صليبا وعرّفته على بعض القيادات السورية بعد تعيينه مديراً عامّاً لأمن الدولة في عهد الرئيس ميشال عون.
لكنّ الوسطاء اللبنانيين الذين دخلوا على الخطّ خيّروا السوريين بين الرشيد واللواء صليبا. على اعتبار أنّ الأوّل “بات بمنزلة فارّ من وجه العدالة ومطلوب للقضاء ويسيء إلى اللواء صليبا. بما قد يترتّب من مسؤوليّات جزائية على الأخير فيما لو بقي الرشيد هارباً”. فكان القرار بتسليم داني الرشيد للأمن العامّ.
نسف القرار الظنّيّ
يُذكر أنّه بعد توقيف “شعبة المعلومات” الرشيد، بوصفه الرأس المدبّر لعملية الاعتداء، وجميع أفراد العصابة. ادّعى المحامي العامّ الاستئنافي في البقاع القاضي جورج خاطر على الرشيد وشركائه بإقدامهم على تأليف جمعية أشرار مسلّحة. وإقدامهم على محاولة قتل المهندس حنّا في زحلة بضربة على رأسه من كعب مسدّس غير مرخّص، وتزوير لوحات سيّارات. ثمّ أحال الملفّ إلى قاضي التحقيق الأوّل في البقاع القاضية أماني سلامة. التي أعدّت قرارها الظنّي وأحالته في 22 شباط الماضي إلى الهيئة الاتّهامية.
لكنّ رئيسة الهيئة الاتّهامية في البقاع القاضية كلنار سماحة نَسَفت في 21 آذار الماضي القرار الظنّيّ لسلامة بمنعها المحاكمة عن جميع المتّهمين. خلافاً للوقائع الثابتة في التحقيقات الأوّلية لدى قاضي التحقيق الأوّل.
وعلى الرغم من استناد سماحة إلى الأدلّة التي ساقتها القاضية سلامة في قرارها الظنّي. خصوصاً تكليف الرشيد المتّهم ملهم مطر بالاعتداء على عبدالله حنا. وحوّلت الاعتداء من جناية إلى جنحة، فيما بقي الرشيد موقوفاً بتهمة حيازته سلاحاً غير مرخّص ولوحات مزوّرة.
اساس ميديا