فتح الموقف الذي أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي من على الحدود مع لبنان، بعد زيارته للولايات المتحدة الأميركية، أبواب الصراع على مرحلة جديدة. اذا صدق ما قاله يوآف غالانت عن إبلاغ الأميركيين بتوسيع تل أبيب لنطاق عملياتها وضرباتها ضد حزب الله، فهذا يعني أن لبنان سيكون مقبلاً على تصعيد جديد، وفق سيناريو ربما يدمج ما بين نموذج العمليات في غزة ذات البعد التدميري والتهجيري، ولكن يبقى محصوراً بنطاق الشريط الحدودي والقرى الأمامية. وبين النموذج المعتمد في سوريا من خلال توجيه ضربات وعمليات استهداف لمواقع ومخازن وشحنات اسلحة وقطع طرق إمداد وعمليات اغتيال.
عملياً، فإن غالانت ألزم نفسه بموقف يمكن أن يقود إلى مخاطر كبيرة، لا سيما في ظل الحرج الذي تعيشه حكومة الحرب الإسرائيلية مع سكان المستوطنات الشمالية، وهو ما يجعل أمد المواجهة في لبنان طويلاً وبوتيرة تصاعدية. في هذا السياق، فإن ما يرد الى لبنان من أجواء ورسائل وتقديرات وتقييمات، بعضها دقيق وبعضها مبالغ به، إلا أنه ينطوي على مؤشرات سلبية جداً.
استمرار الرسائل المحذّرة
وفي هذا السياق يمكن استعراض الكثير من الأجواء التي تضج بها القنوات الديبلوماسية دولياً وعربياً، الى جانب الرسائل التي تنقل بشكل رسمي ولا تزال تتوالى على لبنان خصوصاً من إيطاليا التي تبرز اهتماماً متزايداً في وضع الجنوب لا سيما أن القوات الإيطالية هم ثاني أكبر قوة مشاركة في عمل قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل”. وقد تلقى لبنان من رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني رسائل تحذير من احتمال التصعيد، وضرورة البحث في كيفية الوصول الى حل ديبلوماسي.
كذلك، لا تزال الرسائل الأميركية والفرنسية تتوالى، وتعبر عن مخاوف كبيرة من ازدياد حجم المخاطر، وأن التصعيد المشهود على الحدود قابل للإستمرار وللإتساع، مع نصائح لحزب الله بضرورة التراجع عن معادلة جبهة الإسناد، ووقف الهجمات ضد المواقع الإسرائيلية؛ خصوصاُ أنه يتعمم جو في اسرائيل يشير الى ضرورة توسيع الضربات لردع حزب الله ومنعه من الإستمرار في عملياته، لأنها تعطي مبررات لشن عمليات أوسع، خصوصاً في ظل الضغط الإسرائيلي على القوى الدولية لتبرير توسيع هذه العمليات باعتبار أن حزب الله هو الذي يعطي الإسرائيليين كل الذرائع لتنفيذ عمليات أكبر. فما تضج به مراكز الدراسات العسكرية في اسرائيل تتحدث عن ضرورة المضي قدماً في تنفيذ المزيد من العمليات ضد مراكز قوى الحزب وبناه التحتية وكوادره الأساسيين ولو اقتضى ذلك توسيع نطاق المعركة والمواجهة.
لبنان بديلاً من رفح
من هنا تكثر التحليلات وحتى الإشاعات حول طرح معادلة جديدة في ظل الضغط الأميركي لمنع اسرائيل من الإقدام على شن عملية برية في رفح والاستعاضة عنها بعمليات اغتيال وعمليات عسكرية وامنية متقطعة. وهذه المعادلة هي الذهاب الى توسيع الحرب مع لبنان كتعويض عن معركة رفح لا سيما أن نتنياهو يريد اطالة أمد الحرب والإستمرار بها لتجنب سقوط حكومته علماً أن بعض المعطيات تفيد بأن عمر الحكومة الإسرائيلية لم يعد طويلاً وستكون اسرائيل أمام انتخابات مبكرة.
طرح معادلة لبنان بدلاً من رفح، ترافقه أجواء أخرى بعضها يشير الى أن عمليات التدمير الممنهج التي يقوم بها الإسرائيليون في قرى الشريط الحدودي هي محاولة تمهيدية للدخول برياً الى مساحة 5 كلم، تماماً كما هو الحال بالنسبة الى الكلام الكثير الذي يقال في اسرائيل عن أن ضرب أهداف لحزب الله في بعلبك، وضرب بنى تحتية لها علاقة بالصواريخ أو الطائرات المسيرة أو حتى شحنات الأسلحة ومخازنها في سوريا، هي كلها مقدمات لتنفيذ اسرائيل عملية واسعة في لبنان تكون قد استبقتها بإضعاف قدرات الحزب. الأمر نفسه ينطبق على عمليات التشويش الإسرائيلي المتعمد في لبنان وباتجاه المطار أيضاً، لا سيما أن هذا التشويش يتصل بمحاولة اضعاف قدرة التوجيه لدى الصواريخ التي يمتلكها الحزب، واعاقة عمل طائراته المسيرة.