نزولاً عند رغبات أصحاب العمل، رفض مجلس الوزراء إقرار زيادة غلاء معيشة للأجراء بقيمة 9 ملايين ليرة، مكتفياً بتعديل الحدّ الأدنى للأجور الشهرية إلى 18 مليون ليرة، والحدّ الأدنى للمياومين إلى 820 ألف ليرة.لم يحصل نقاش فعلي في هذه المسألة، لكن يبدو أن «حفنة» من أصحاب العمل تمكّنوا من إقناع الوزراء ورئيس الوزراء بإسقاط الزيادة المقطوعة للأجور والاكتفاء بتعديل الحدّ الأدنى. وذلك رغم أن اتفاقاً حصل مع رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير على هذه الزيادة بحضور رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر. وموافقة شقير على هذه الزيادة، جاءت بعد نقاش خيض في لجنة المؤشّر حول مسألة هذا الأمر، إذ كان بعض ممثلي أصحاب العمل، وعلى رأسهم رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، ورئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد وآخرون، يرفضون منح العمال هذه الزيادة وأصروا على الاكتفاء بزيادة الحدّ الأدنى للأجور، لا بل كانوا يرفضون تعديل الحد الأدنى إلى هذا السقف. وبحسب المطّلعين، فقد كان هناك تهامس من قبل المعترضين على أن شقير لديه برنامج سياسي وطموح يريد أن يحققه على ظهر سائر ممثلي أصحاب العمل من خلال «بيع» مواقف لأطراف سياسية وللعمال على حدّ سواء. لكنّ شقير برّر الأمر بالإشارة إلى أنه لا توجد زيادات حقيقية للأجور، بل إن الأمر مرتبط حصراً بالاشتراكات المترتبة على الأجور للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبتسويات نهاية الخدمة. فالأجراء يحصلون حالياً على أجور أعلى من الحدّ الأدنى. وعند الاتفاق على تعديل الحد الأدنى، برزت مسألة المساواة بين الأجراء في الرواتب، لذا فإن النقاش ذهب في اتجاه ترك الحرية لأصحاب العمل في تعديل سائر الرواتب والمساواة بين فئات الموظفين لديهم، أو فرض زيادة مقطوعة على الأجور تحقّق المساواة ولا تؤدي إلى أي اختلالات في رواتب الموظفين في الفئات المختلفة.
الاختلاف، بحسب ما ورد في قرار مجلس الوزراء، تمّت معالجته وترجمته في قرار مجلس الوزراء المتعلق بزيادة غلاء المعيشة، على النحو الآتي: «تبيّن أنه بتاريخ 19/3/2024 اجتمعت لجنة المؤشر التي تضم ممثلين عن الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والدولة اللبنانية، بناءً على توجيهات رئيس مجلس الوزراء بضرورة دعم العمال في ظل الأزمة الاقتصادية التي أصابت مجتمعنا بعد تدهور العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وخلصت إلى وجوب دعم العمال والأجراء الخاضعين لقانون العمل، وذلك بزيادة غلاء معيشة ورفع الحد الأدنى للأجر الشهري». ويضيف القرار أنه بتاريخ 26/3/2024 وافق مجلس شورى الدولة على مشروع المرسوم المتعلق بإعطاء زيادة غلاء معيشة للقطاع الخاص بقيمة 9 ملايين ليرة وتعديل الحدّ الأدنى للأجر الشهري ليصبح 18 مليون ليرة».
ما حصل، بحسب مصادر مطّلعة، هو أن أصحاب العمل مارسوا نفوذهم المعتاد لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعدد من الوزراء، وتمكّنوا من إسقاط مسألة زيادة غلاء المعيشة، ودفعوا المجلس إلى الاكتفاء بتعديل الحد الأدنى فقط. فقد كان أمام وزير العمل مصطفى بيرم خياران: سحب المشروع من مجلس الوزراء للبحث عن طريقة لفرض هذه الزيادة من خلال معركة مع أصحاب العمل، أو القبول بما يمكن الفوز فيه حالياً على أن يواصل العمل لاحقاً من أجل زيادة غلاء المعيشة. ورئيس الحكومة كان واضحاً في موقفه المحابي لأصحاب العمل، إذ أشار إلى أن زيادة غلاء المعيشة «ليس وقتها الآن».
أصحاب العمل مارسوا ضغوطات ورئيس الحكومة: «ليس وقتها»
كذلك، أقرّ المجلس أيضاً زيادة الحد الأدنى للأجر اليومي إلى 820 ألف ليرة. وإلى جانب تعديلات الحدّ الأدنى للأجور، أقرّ المجلس مرسوم زيادة قيمة المنحة المدرسية إلى 12 مليون ليرة عن كل ثلاثة أولاد كحدّ أقصى في المدرسة الخاصة، و4 ملايين عن ثلاثة أولاد كحد أقصى في المدارس الرسمية أو المجانية أو المؤسسات الخاصة بالمعوقين أو الجامعة اللبنانية.
وبعد إقرار زيادة الحد الأدنى، خفّضت الحكومة الحدّ الأقصى للكسب الشهري الخاضع للحسومات لفرع المرض والأمومة في الضمان الاجتماعي ليصبح 50 مليون ليرة، بدلاً من 5 أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور، أي خفّضته من 90 مليون ليرة إلى 50 مليون ليرة وهو ما سيؤدي إلى خفض الاشتراكات المترتبة للضمان على الأجور والتي يدفع أصحاب العمل القسم الأكبر منها. وسينعكس هذا الأمر تباطؤاً في الإيرادات المتوقعة من الاشتراكات، وبالتالي لن يكون بإمكان الضمان تحسين إيراداته وتقديماته الصحية كما يتوقع.