ألا يتابع بعض النازحين السوريين الذين يسرقون ويخطفون ويقتلون، أو يدخلون خلسة ويشاركون في عمليات التهريب وتشكيل العصابات، ما يحصل في لبنان؟ ألا يعلم هؤلاء أن ارتكاباتهم سترتدّ سلباً على مواطنيهم اللاجئين، وأنّ كتلة الغضب الشعبي ستكبر وتجرف معها المذنب والبريء، الشرعي وغير القانوني؟ من قتلوا المواطن ياسر الكوكاش أمس في العزونية – قضاء عاليه، ألم يسمعوا بجريمة قتل مُنسّق جبيل في «القوّات اللبنانية» باسكال سليمان قبل أسبوع فقط وما رافقها من تداعيات وتحرّكات أهليّة ضدّ النازحين؟ وبالفعل ذاته، ألا تدري السلطات السياسية المركزية والمحلية أن كلّ تخاذل أو تباطؤ في معالجة جذرية وجديّة لهذا الملف، سيُعجّل في تفجير الأمن الإجتماعي في البلاد التي تحوّلت مواكب جنائزية بين الجرائم المنظّمة والفرديّة، حيث تخطّت نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية الـ35 بالمئة؟
إلى حين شفاء الدولة من «شعوذة» التأجيل والتسويف على أنواعها، فهي عاجزة منذ العام 2015 عن معالجة أزمة النفايات وأتفه الملفات المحلية، يتواصل الزخم الشعبي والسياسي والحزبي، في المناطق التي تشهد إكتظاظاً سكّانيّاً ونزوحاً سوريّاً، لا سيّما في المتن وبيروت، حيث أكّد منسّق المتن في «القوات» آدي الحرّان لـ»نداء الوطن» أنّه «بعد اغتيال الشهيد سليمان ليس كما قبله»، مشيراً إلى أن «الضغط على الحكومة والبلديات ليس جديداً، غير أنّ تنامي الجريمة على يد بعض النازحين السوريين، أكانوا أدوات تنفيذية أم لا، دفعنا إلى تكثيف جهودنا ومواصلة معركتنا بالطرق القانونية التي تهمّ كل مواطن وإنسان في لبنان، فالقضية لا تخصّ «القوات» وحدها، وأنّ المسألة تخطّت التهديد الإجتماعي والمعيشي والاقتصادي، لتطال حياتنا وأمننا الشخصي، فكل فردٍ بات عرضة للقتل والطعن، أكان بهدف السرقة أم لتنفيذ مخطات ومآرب سياسية مدفوعة بيد النازحين».
الحرّان الذي كُلّف من قبل رئيس الحزب سمير جعجع (إضافة إلى منسّقي المناطق الأخرى)، بالتواصل مع المجالس البلدية، كشف أنّ «بعض البلديات المتنية، أبدت تجاوبها مع دعوتنا لها إلى إعلانها بشكل واضح وجازم ضرورة ترحيل النازحين غير الشرعيين، بيد أنّ قسماً منها لم يبدِ جديّة أو قدرة على التنفيذ، منها لاعتبارت سياسية، حيث أن قرار بعض رؤساء البلديات يعود إلى مرجعياتهم السياسية، وآخرين لأهداف نفعية ومصلحية يؤمّنها لهم وجود النازحين». في المقابل، أشاد الحرّان ببعض البلديات كالدكوانة التي كانت سبّاقة في تدارك مخاطر النزوح منذ سنوات، لافتاً إلى أنّ القرى والمناطق الجبلية معالجتها تكون أسهل من مدن الساحل».
وشدّد في إطار متابعته مع المجالس البلدية والإختيارية على ضرورة التنسيق بين بعضها البعض، كي لا يخرج أولئك الذين لا يتمتّعون بصفة اللجوء من هذه القرية أو المحلّة وينتقلون إلى بلدة أخرى». أما ما توقّف عنده الحرّان فهو أن بعض البلديات لا تكشف حقيقة عدد النازحين القائمين في نطاقها، فتعمد إلى تخفيض الأرقام، ظنّاً منها أنّها تخفّف الضغوطات الشعبية عنها.
تُعدّ برج حمود نموذجاً فاقعاً عن أزمة النزوح السوري في لبنان، فهي من أكثر المناطق التي شرّعت أبوابها ومنازلها ومحالها التجارية للنازحين، إذ تؤكّد مصادر مطّلعة وجود نحو 40 ألف نازح، مع العلم أن أجواء بلديتها تتحدّث عن حوالى 12 ألفاً فقط. تبدّلت معالم المدينة وهويتها، فبعدما كانت مركز استقطاب للبنانيين، لا سيّما القادمين من الأرياف والباحثين عن فرص عمل نظراً لأسواقها التجارية وصناعاتها الحرفية وقربها من مراكز ومؤسسات العاصمة المركزية، تحوّلت «عقر دار» اللاجئين والجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية الداعمة لهم. هذا الواقع دفع بالعديد من عائلاتها أكانوا من اللبنانيين الأرمن أم غيرهم إلى مغادرتها، بحثاً عن أماكن أكثر أماناً وهدوءاً.
وتلفت تلك المصادر إلى أنّ النقمة الشعبية على البلدية تزداد يوماً بعد يوم، كونها تتحمّل تبعات هذا الانفلات النزوحي المتنامي منذ سنوات، لا بل تعود أزمة الثقة بين المواطنين من جهة والبلدية من جهة أخرى إلى تجديد مكب النفايات في برج حمود وتحوّل المنطقة إلى أكثر الأماكن تلوّثاً.
ورأت أن «البيان الصادر عن البلدية عقب مقتل باسكال سليمان، حيث اعتبرت أن مسألة تنظيم إقامة النازحين وعملهم، هي من صلاحيات الأجهزة الرسمية في الدولة اللبنانية وخصوصاً الأمن العام والوزارات المعنية، هو تهرّب من مسؤوليتها، فلو اتخذت الإجراءات التي اعتمدتها بلديات أخرى، لما وصلنا إلى واقع باتت معالجته شبه مستحيلة». إلى ذلك يتحدّث بعض أهالي برج حمود عن أنّ البلدية لا تتحرّك إلّا عند وقوع جريمة تهزّ الرأي العام، فتلجأ إلى إقفال محلات السوريين وممارسة ضغوطات شكلية وموقتة، لتعود الحياة إلى طبيعتها بعد يومين، وتعزو المصادر هذا التراخي في التعامل مع ملف النازحين إلى استفادة البلدية من أموال المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية التي انتشرت كالطفيليات على حساب معاناة النازحين واللبنانيين على السواء، تحت شعارات إنسانية تتهم الآخرين بالعنصرية، إضافة إلى حسابات ومصالح سياسية حزبية تتخطّى حدود لبنان، تؤثّر على سلوك البلدية وقراراتها تجاه النازحين السوريين.