في ظلّ الخواء السياسي الكامل الذي تُرجِمت آخر “إنجازاته” بالتمديد لبلديّات “فارطة ومفلسة”، وارتفاع منسوب حرب الأعصاب رئاسياً وعسكرياً ربطاً بالوضع “الحربي” على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، ثمّة حراك داخل العدليّة يتقدّمه الحديث المتزايد عن تغيير نوعي مرتقب في مسار ملفّ المرفأ بعد قرار الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود تكليف القاضي جمال الحجّار بمهامّ النائب العامّ التمييزي في 22 شباط الماضي.
تجزم مصادر قضائية بارزة لـ “أساس” أنّ “هناك مساعي حقيقية يبذلها القاضي الحجّار “كي يمشي” ملفّ المرفأ مجدّداً. وقد دشّن الحجّار مساراً متوازناً عبر استقباله الجميع والاستماع لهم، فيما التنسيق قائم ومستمرّ بينه وبين المحقّق العدلي طارق البيطار. مع الإشارة إلى أنّ للمدّعي العامّ التمييزي الحقّ الكامل بالاطّلاع على كلّ ملف المرفأ”.
تؤكّد المصادر أنّ “المشكلة كبيرة ومعقّدة منذ توقّف التحقيق في 24 كانون الأول 2024 وتراكم دعاوى الردّ والمخاصمة”، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّ “إعادة العمل بملفّ المرفأ تتطلّب واقعية متبادلة وتسليماً بمعادلة قد تشكّل المدخل لفتح باب استئناف التحقيقات وصولاً إلى إصدار القرار الظنّي. إذ إنّ القاضي البيطار أصدر قراراً في كانون الثاني من العام الماضي اعتبر فيه أن ليس من جهة تملك سلطة ردّ المحقّق العدلي أو تنحيته أو استبداله أو مداعاته. القاضي البيطار لن يتراجع عن هذا القرار ولا يمكن اعتباره كأنّه لم يكن، فيما المجلس العدلي هو صاحب الصلاحية حصراً في الحسم إذا كان اجتهاد المحقّق العدلي صائباً أو خاطئاً”.
تضيف المصادر: “أمّا لناحية قرار ادّعاء النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات على المحقّق العدلي فقد طلب الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله من عويدات تصحيح ادّعائه بحقّ البيطار لاعتباره معيوباً وكي يتمكّن من استجوابه بجرم “انتحال صفة”، لكنّ عويدات استأنف طلبه أمام الهيئة الاتّهامية غير الموجودة أصلاً والتي لم تشكّل بعد. وهذا ما منع رزق الله من عقد أيّ جلسة تحقيق مع البيطار. مع العلم أنّ الشكوى الجزائية لعويدات على البيطار لا توقف التحقيق”.
تجزم مصادر قضائية بارزة لـ “أساس” أنّ “هناك مساعي حقيقية يبذلها القاضي الحجّار “كي يمشي” ملفّ المرفأ مجدّداً
السياسيّون إلى “المجلس الأعلى“
لكن، وفق المصادر القضائية، “ثمّة نقطة أساسية قد تُسهِم في نقل الملفّ من مكان إلى آخر، وهي تنطلق من التنسيق القائم بين الحجار والبيطار. فهناك رأي وازن داخل العدلية تعزّزه تغطية كبار القضاة له، وهو وجود ثلاثة ملفّات يمكن من خلالها استعادة الثقة بالعدلية عبر الالتزام بالقانون والنصوص وليس اعتماد الشعبوية”.
أوّلها، وفق المصادر، “إذا ثبت الرأي القضائي على عدم خضوع السياسيين والقضاة للمحاكمة أمام المحقّق العدلي، يجب التحلّي بالجرأة لإعلان ذلك، وعندئذٍ يُسحَب الملفّ من يد المحقّق العدلي، ليخضع السياسيون للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.
تضيف المصادر: “ثانياً القرار الاتّهامي الذي في حال صدر بشكل مدروس ومحايد ومستند إلى أحكام القانون بعيداً عن الشعبوية سيحمي العدلية. وثالث الملفّات الكبرى ضرورة حسم الملفّ القضائي المفتوح بحقّ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وأعوانه، فإمّا الإدانة أو البراءة”.
هل يتحرّك ملفّ سلامة؟
هنا يلفت مطّلعون إلى “ما قام به القاضي سهيل عبود عبر توجيهه ثلاثة كتب إلى النائب العامّ المالي القاضي علي إبراهيم ورئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، بصفتها ممثّلة الدولة أمام القضاء، والتفتيش القضائي لاتّخاذ الإجراءات القضائية بالاستناد إلى ما ورد في تقرير التدقيق الجنائي لشركة “ألفاريز ومارسال” من أجل تحديد المسؤوليّات الجزائية والمدنية في ضوء ما ذكره التقرير من هدر في أموال المصرف المركزي، إضافة إلى الإخبار المقدّم من وزير العدل هنري خوري استناداً إلى ما ورد في التقرير. ومع ذلك لم يحصل أيّ تطوّر قضائي، وهو ما عكس تقصيراً قضائياً فاضحاً لجهة تحديد المسؤوليات”.
كما يجدر التساؤل، وفق هؤلاء، عمّا حصل في ملفّ سلامة بعد تسلّم قاضي التحقيق في بيروت بلال حلاوي مهامّ قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة بدلاً من القاضي شربل أبو سمرا الذي اتُّهم بتمييع التحقيقات من أجل عدم إصدار مذكّرة توقيف بحقّ سلامة وشقيقه رجا، فضلاً عن مصير تنفيذ الاستنابات القضائية المتعلّقة بسلامة وملفّ الصرّافين.
عَلِم “أساس” أنّ القاضي سهيل عبود سجّل اعتراضاً شديداً على تكليف فرحات المُخالف للمعايير
سدّ الشغور في المجلس العدليّ؟
على خطّ موازٍ، وبعدما أصدر القاضي سهيل عبود قرار تكليف القاضي جمال الحجار بمهامّ النائب العام التمييزي شغر موقعه كعضو أصيل في المجلس العدلي. هنا تفيد معلومات “أساس” عن محاولة القاضي عبود سدّ هذه الثغرة عبر إرسال كتاب إلى وزير العدل للقيام بما يلزم. وأمام صعوبة التعيين في مجلس الوزراء قد يلجأ عبود إلى إيجاد حلّ بعدما كرّر أمام كثيرين “بأنّني لن أترك هذا المرفق القضائي معطّلاً”.
خضّة تعيين القاضي فرحات
من جهة أخرى، تلفت مصادر العدلية إلى ما حصل أخيراً من خضّة قضائية “مَرَقت على السكت” كما العديد من التجاوزات التي تحصل تحت كنف العدلية. وذلك بعدما أصدر الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في جبل لبنان الجنوبي القاضي إيلي الحلو في 8 نيسان الجاري قرار تكليف القاضي المنفرد في جديدة المتن ومستشار وزير العدل محمد فرحات بتسلّم مركز المحامي العامّ الاستئنافي في جبل لبنان بعد وفاة القاضي نادر منصور.
في هذا السياق، عَلِم “أساس” أنّ القاضي سهيل عبود سجّل اعتراضاً شديداً على تكليف فرحات المُخالف للمعايير إن بسبب “بروفيله” الذي لا يستطيع الدفاع عنه، أو بسبب قفزه فوق قضاة أقدم منه بالدرجات وتصنيفه لدى العديد من القضاة بأنّه “وديعة” سياسية للثنائي الشيعي في وزارة العدل، كما أنّه من أبرز المحرّضين على “نادي القضاة”.
لكنّ الخلاف حول الاسم لم يَمنع من حصول تكليف وُوجه باعتراضٍ كبيرٍ داخل أروقة العدلية. فوزير العدل، برأي أوساط قضائية، اتّخذ قرار التكليف بواسطة مستشاره الأوّل القاضي إيلي الحلو لمصلحة مستشاره الثاني القاضي محمد فرحات.