ما أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين أمس من بيروت عن مساعدات بقيمة مليار يورو دعماً «لاستقرار» لبنان، أحدث جدلاً واسعاً حول هذه الخطوة التي أتت على خلفية «تعاون» السلطات لمكافحة عمليات تهريب النازحين السوريين التي شهدت ازدياداً في الآونة الأخيرة في اتجاه قبرص. ومثار الجدل أنّ لبنان يتطلع الى حلٍ يؤدي الى إنهاء الوجود غير الشرعي لمئات الألوف من هؤلاء النازحين، لأنّ وجودهم في لبنان غير شرعي. بينما تحدث الكلام الأوروبي عن مسار لا يضع الاصبع فوراً على جرح هذا النزوح الذي يكاد يُجهز على البلد.
وأثارت إطلالة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مساء أمس الشكوك حيال الموقف الأوروبي الجديد، ففي حديث تلفزيوني علّق على وصف مساعدة المليار يورو، بأنها «رشوة»، فقال بتهكم: «يا ريت». وأضاف: «في المؤتمرات الماضية التي تتعلق بالإتحاد الأوروبي، كان يُقال إنه يجب إبقاء السوريين عندكم وخذوا ما تريدون من أموال».
لكنه كشف في الوقت نفسه عن أنّ هناك «انقساماً» في الموقف الأوروبي من عودة النازحين السوريين الى بلدهم. وقال: «طلبنا من الاتحاد الأوروبي أن يقرّ بأنّ هناك مناطق آمنة في سوريا، لكنّ هناك إنقساماً اوروبياً على موضوع المناطق الآمنة».
وتقول مصادر واسعة الاطلاع لـ»نداء الوطن» إنه «توازياً مع الضغط اللبناني، تحركت المساعي الدولية والأوروبية بعدما تبيّن أنّ الوضع في لبنان لم يعد يحتمل. لذا بدأت عملية رصد ميزانيات مضخمة ما أوحى أنّ هناك محاولة لإغراء اللبنانيين». وأضافت: «كل التركيز هو على أنّ هذه الأموال سترصد لأمرين: إما لترحيل النازحين من لبنان، أو من أجل عودتهم الى سوريا. إنّ رصد الأموال من أجل بقائهم في لبنان هي رشوة مرفوضة. ولا يمكن أن تمر، بل ممنوع أن تمر، وإلا فان هناك عملية تحايل نتيجة الضغط الكبير فتدخلوا».
وخلصت الى القول: «بالتأكيد صار هناك تفهم خارجي بأن الواقع السياسي في لبنان يتجه الى الانفجار إذا لم تحل هذه المسألة».
على خط متصل، قالت مصادر حكومية لـ«الجمهورية» ان لبنان يتلمّس للمرة الأولى تفهّماً أوروبياً غير مسبوق لمشكلة النزوح السوري على ارضه، وقد وضعت الحكومة خطة مفصّلة شرحَ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خطوطها العريضة لرئيسة المفوضية الاوروبية أورسولا فونديرلاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس. كذلك شرح الواقع المرتبط بكل ملف النزوح وتداعياته على كل الصعد دفعاً في اتجاه ان يكون الموقف الأوروبي اكثر تفهّماً لكل الخطوات». واضافت المصادر: «ما حصل اليوم هو امر مهم جدا وبداية إيجابية لدعم لبنان، لكن يبقى الأساس هو تبنّي الاتحاد الأوروبي لمطلب لبنان العمل على اعتبار انّ هناك مناطق آمنة في سوريا وهذا يحتاج إلى قرار أوروبي موحد، وان الرئيس القبرصي يدفع بهذا الاتجاه… وفي المرحلة الثانية سيكون العمل على هذه النقطة».
واكدت المصادر انّ ميقاتي عاكِف على إعداد خطة وتقرير كامل سيقدمه للاتحاد الأوروبي في اجتماع بروكسل في وقت لاحق من الشهر الجاري. واشارت إلى ان هذه الزيارة لأعلى مسؤولة في مفوضية الاتحاد الاوروبي، وان عبّرت عن بداية تَفهّم لخطورة الوضع في لبنان وانعكاساته على امن أوروبا، إلا أنها لم تأت على حسم أي موقف وقد بَدا فيها الرئيس القبرصي اكثر تعاطفاً وواقعية ازاء لبنان من رئيسة المفوضية الاوروبية. وكشفت المصادر ان ميقاتي أصرّ خلال المحادثات بشدة على موضوع المناطق الآمنة، وكان واضحا في تحذيراته عندما اكد انّ لبنان هو بلد عبور وليس بلد لجوء، ما يعني ان البحر سيكون أمام النازحين إذا لم تعالج أزمة النزوح. وصحيح ان القنبلة ستنفجر في وجه لبنان لكنّ شظاياها ستصل إلى كل أوروبا».
وحول حزمة الأموال التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي قالت المصادر نفسها: «هذه خطوة غير مسبوقة وايجابية لكن الخوف ان تكون ثمناً لسكوتنا أقلّه حتى سنة ٢٠٢٧، وهو التاريخ الذي أتت فون دير لاين على ذكره في جدولة الدفع.
وفي السياق نفسه علمت «الجمهورية» من مصادر تابعت محادثات الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الاوروبية مع بري وميقاتي، انه لم يتم البحث في آلية تنفيذ ما أعلنته فونديرلاين عن تقديم رزمة مساعدات مالية للبنان بقيمة مليار يورو والاستعداد لتوطين أعداد من النازحين في دول الاتحاد الأوروبي. لكن تم طرح القطاعات التي سيتم دعمها ومنها الجيش والقوى الامنية بهدف ضبط الحدود (لم تحدد البرية ام البحرية) لوقف تهريب المهاجرين الى اوروبا. لذلك اقترح بري على الضيفين تشكيل لجنة مشتركة بين لبنان والاتحاد الاوروبي للبحث في الآلية التنفيذية. كما تم التركيز في المحادثات على طريقة تسهيل عودة النازحين واعادة توطين الراغبين منهم في دول اخرى. كذلك كشفت انه لم يتم التركيز كثيراً من جانب الضيفين على تفاصيل جانب الدعم المالي.
لكن المصادر فهمت من سياق الحديث ومن اللقاءات السابقة التي جرت بين مسؤولين لبنانيين واوروبيين، ان اوروبا ستعيد توطين مَن تنطبق عليهم صفة اللجوء من اصحاب الكفايات العلمية والفنية فقط، تِبعاً لحاجتها الى اليد العاملة الاختصاصية في قطاعات معينة وليس لأي نازح.
واوضحت المصادر انه بَدا من سياق الحديث ايضاً ان الاتحاد الاوروبي وصل الى اقتناع بأنه لا يمكن الاستمرار في هذا الوضع المتعلّق بالنازحين في لبنان، وان دعم المؤسسات اللبنانية اصبح حاجة لا بد منها سواء لضبط الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية او لتمكين لبنان من تحمل اعباء النزوح.
وكان الرئيس القبرصي تحدثَ في مؤتمر صحافي مشترك مع ميقاتي وفونديرلاين، في السّرايا الحكومية، عن «رزمة دعم شاملة من المساعدات للبنان، تشمل المساعدة في برامج الدّعم للشعب اللبناني، مكافحة التهريب، وتعزيز قدرات السّلطة لمراقبة الحدود»، مشيرًا إلى «أنّنا نقوم اليوم بخطوة مهمّة من أجل شعب لبنان، كي نعالج بشكل أفضل التحدّيات المشتركة». ولفت إلى أنّ «الاتحاد الأوروبي يؤكّد اليوم وقوفه مع لبنان، والعمل على تقويته وتعزيز العلاقات معه»، مؤكّدًا «أنّنا نتفهّم بشكل عميق المشاكل والتحدّيات التي يواجهها لبنان، والأزمة طويلة الأمد في سوريا قد ضخّمت العواقب السلبيّة على لبنان وشعبه». وشدّد على أنّه «لا يمكننا الوقوف على الحيد تجاه ما يتكبّده لبنان من أعباء سبّبتها أزمة اللجوء».
وأتت زيارة المسؤولة الأوروبية برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس الى بيروت، في وقت أعادت نيقوسيا في الفترة الأخيرة قوارب مهاجرين انطلقت بصورة غير نظامية من لبنان، وعلى وقع تكرار بيروت مطالبة المجتمع الدولي بإعادة النازحين السوريين الى بلدهم، بعد توقف المعارك في محافظات سورية عدة.
وقالت فون دير لاين خلال مؤتمر صحافي إثر لقائها والرئيس القبرصي الرئيس ميقاتي «أستطيع الإعلان عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان، ستكون متاحة بدءاً من العام الجاري حتى 2027» من أجل المساهمة في «الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي».
وخاطبت السلطات: «نعوّل على تعاونكم الجيد لمنع الهجرة غير النظامية ومكافحة تهريب المهاجرين»، في إشارة الى قوارب الهجرة غير النظامية التي تنطلق من سواحل لبنان.
وأكدت عزم الاتحاد الأوروبي على دعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية بـ»توفير معدات وتدريب على إدارة الحدود».
وبحسب متحدث باسم الاتحاد الأوروبي في بروكسل، فإن 736 مليون يورو من إجمالي المبلغ ستُخصص «لدعم لبنان في الاستجابة للأزمة السورية وأزمة اللاجئين السوريين وكل ما يتعين على لبنان التعامل معه نتيجة الأزمة السورية»، في حين أنّ المبلغ المتبقي مخصص في إطار التعاون الثنائي لدعم الجيش والأجهزة الأمنية.
ويستضيف لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة منذ العام 2019، نحو مليونَي سوري، وأقلّ من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة، وهو أعلى عدد من اللاجئين في العالم نسبة لعدد السكان.
ويعبر كثر من سوريا إلى لبنان عبر طرق التهريب البرية أملاً في ركوب قوارب الهجرة غير القانونية التي أصبح شمال لبنان نقطة انطلاق لها. ويبحث المهاجرون عن حياة أفضل في دول أوروبية، وغالباً ما يتوجهون إلى قبرص، الجزيرة المتوسطية التي تبعد أقل من 200 كيلومتر عن لبنان.
وتقول قبرص إنها تشهد تدفقاً متزايداً للمهاجرين السوريين من لبنان بشكل غير نظامي، خصوصاً منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل و»حماس» في السابع من تشرين الأول. وتعتبر أنّ التصعيد عند الحدود بين «حزب الله» وإسرائيل أضعف جهود لبنان في مراقبة مياهه الإقليمية ومنع مغادرة قوارب المهاجرين.
ومنذ مطلع العام حتى الرابع من نيسان الماضي، وصل الى قبرص أكثر من أربعين قارباً على متنها نحو 2500 شخص، وفق تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التي لم تحدّد عدد القوارب التي انطلقت من لبنان، وتلك التي انطلقت من سوريا.